6577 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَعْيَنَ الْبَغْدَادِيُّ بِمِصْرَ، نا الْحَسَنُ بْنُ بَشِيرٍ الْبَجَلِيُّ، نا الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَمَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ النَّاسَ إِلَّا أَرْبَعَةً مِنَ النَّاسِ: عَبْدَ الْعُزَّى بْنَ خَطَلٍ، وَمَقِيسَ بْنَ صُبَابَةَ الْكِنَانِيَّ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ
ص: 343 أَبِي سَرْحٍ، وَأُمَّ سَارَةَ امْرَأَةً، فَأَمَّا عَبْدُ الْعُزَّى، فَإِنَّهُ قُتِلَ، وَهُوَ آخِذٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ. قَالَ: وَنَذَرَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَقْتُلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ إِذَا رَآهُ، وَكَانَ أَخًا عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَأَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَشْفِعُ بِهِ، فَلَمَّا بَصُرَ بِهِ الْأَنْصَارِيُّ، اشْتَمَلَ عَلَى السَّيْفِ، ثُمَّ خَرَجَ فِي طَلَبِهِ، فَوَجَدَهُ فِي حَلْقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهَابَ قَتْلَهُ، فَجَعَلَ يَتَرَدَّدُ، وَيَكْرَهُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ فِي حَلْقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَسَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَبَايَعَهُ، ثُمَّ قَالَ لِلْأَنْصَارِيِّ: «قَدِ انْتَظَرْتُكَ أَنْ تُوَفِّيَ بِنَذْرِكَ» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هِبْتُكَ، أَفَلَا أَوْمَضْتَ إِلَيَّ؟ قَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُومِضَ» وَأَمَّا مَقِيسٌ، فَإِنَّهُ كَانَ لَهُ أَخٌ قُتِلَ خَطَأً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَعَثَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ بَنِي فِهْرٍ لِيَأْخُذَ لَهُ مِنَ الْأَنْصَارِ الْعَقْلَ، فَلَمَّا جَمَعَ لَهُ الْعَقْلَ، وَرَجَعَ نَامَ الْفِهْرِيُّ، فَوَثَبَ مَقِيسٌ فَأَخَذَ حَجَرًا فَجَلَدَ بِهِ رَأْسَهُ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ، وَهُوَ يَقُولُ:
البحر الطويل
شَفَى النَّفْسَ مَنْ قَدْ بَاتَ بِالْقَاعِ مُسْنِدًا
... يَضْرَجُ ثَوْبَيْهِ دِمَاءُ الْأَخَادِعِ
وَكَانَتْ هُمُومُ النَّفْسِ مِنْ قَبْلِ قَتْلِهِ
... تُهَيَّجُ فَتُنْسِينِي وِطَاءَ الْمَضَاجِعِ
حَلَلْتُ بِهِ ثَأْرِي وَأَدْرَكْتُ ثَوْرَتِي
... وَكُنْتُ إِلَى الْأَوْثَانِ أَوَّلَ رَاجِعِ
وَأَمَّا أُمُّ سَارَةَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ مَوْلَاةً لِقُرَيْشٍ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَشَكَتْ إِلَيْهِ الْحَاجَةَ، فَأَعْطَاهَا شَيْئًا، ثُمَّ أَتَاهَا رَجُلٌ، فَدَفَعَ إِلَيْهَا كِتَابًا لِأَهْلِ مَكَّةَ، يَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَيْهِمْ لِيُحْفَظَ فِي عِيَالِهِ، وَكَانَ لَهُ بِهَا عِيَالٌ، فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَاكَ، فَبَعَثَ فِي أَثَرِهَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَلَحِقَاهَا، فَفَتَّشَاهَا، فَلَمْ يَقْدِرَا عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، فَأَقْبَلَا رَاجِعِينَ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: وَاللَّهِ مَا كَذَبْنَا وَلَا كُذِبْنَا، ارْجِعْ بِنَا إِلَيْهَا، فَرَجَعَا إِلَيْهَا، فَسَلَّا سَيْفَهُمَا، فَقَالَا: وَاللَّهِ لَنُذِيقَنَّكِ الْمَوْتَ أَوْ لَتَدْفَعِنَّ إِلَيْنَا الْكِتَابَ، فَأَنْكَرَتْ، ثُمَّ قَالَتْ: أَدْفَعُهُ إِلَيْكُمَا عَلَى أَنْ لَا تَرُدَّانِي
ص: 344 إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَبِلَاهُ مِنْهَا، فَحَلَّتْ عِقَالَ رَأْسِهَا، فَأَخْرَجَتْ كِتَابًا مِنْ قُرُونِهَا، فَدَفَعْتُهُ إِلَيْهِمَا، فَرَجَعَا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَفَعَاهُ إِلَيْهِ، فَبَعَثَ إِلَى الرَّجُلِ فَقَالَ: «مَا هَذَا الْكِتَابُ؟» قَالَ: أُخْبِرُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ مَعَكَ إِلَّا وَلَهُ بِمَكَّةَ مَنْ يَحْفَظُهُ فِي عِيَالِهِ غَيْرِي، فَكَتَبْتُ هَذَا الْكِتَابَ لِيَكُونُوا لِي فِي عِيَالِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} الممتحنة: 1 إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ «لَمْ يَرْوِ أَوَّلَ هَذَا الْحَدِيثِ قِصَّةَ مَقِيسٍ، وَابْنِ خَطَلٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ إِلَّا الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، تَفَرَّدَ بِهِ الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ»