لَا أَقَلَّ لِحَدِيثِ «لَا تُقَدِّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ» .
وَأَمَّا حَدِيثُ «مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» فَلَا أَصْلَ لَهُ (وَإِلَّا يَصُومُهُ الْخَوَاصُّ وَيُفْطِرُ
ــ
رد المحتار
قُلْت: الظَّاهِرُ نَعَمْ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً وَعَزَمَ عَلَى فِعْلِ مِثْلِهِ بَعْدَهَا فَوَافَقَ يَوْمَ الشَّكِّ؛ لِأَنَّ الِاعْتِيَادَ يُشْعِرُ بِالتَّكْرَارِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَوْدِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَبِالْعَزْمِ الْمَذْكُورِ يَحْصُلُ الْعَوْدُ حُكْمًا أَمَّا بِدُونِهِ فَلَا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ إلَخْ) هُوَ مَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ» وَالْمُرَادُ بِهِ غَيْرُ التَّطَوُّعِ حَتَّى لَا يُزَادَ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ كَمَا زَادَ أَهْلُ الْكِتَابِ عَلَى صَوْمِهِمْ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلٍ هَلْ صُمْت مِنْ سَرَرِ شَعْبَانَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: إذَا أَفْطَرْت فَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ» سَرَرُ الشَّهْرِ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا آخِرُهُ كَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَجُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ لِاسْتِرَارِ الْقَمَرِ فِيهِ أَيْ اخْتِفَائِهِ وَرُبَّمَا كَانَ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ كَذَا أَفَادَهُ نُوحٌ فِي حَاشِيَةِ الدُّرَرِ.
وَاسْتَدَلَّ أَحْمَدُ بِحَدِيثِ السَّرَرِ عَلَى وُجُوبِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ وَهُوَ عِنْدَنَا مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ؛ لِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ التَّقَدُّمِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ مَا أَمْكَنَ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْفَتْحِ. هَذَا وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا وَغَيْرِهَا بِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ التَّقَدُّمُ عَلَى رَمَضَانَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ.
وَوَجْهُ تَخْصِيصِهِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَنَّ صَوْمَهُ عَنْ رَمَضَانَ إنَّمَا يَكُونُ غَالِبًا عِنْدَ تَوَهُّمِ النُّقْصَانِ فِي شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ فَيَصُومُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ عَنْ رَمَضَانَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ ذَلِكَ احْتِيَاطٌ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْإِمْدَادِ وَالسَّعْدِيَّةِ وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: وَعَلَيْهِ فَلَا يُكْرَهُ صَوْمُ وَاجِبٍ آخَرَ فِي يَوْمِ الشَّكِّ قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ التُّحْفَةِ حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ فِيهِ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ وَعَنْ التَّطَوُّعِ مُطْلَقًا لَا يُكْرَهُ فَثَبَتَ أَنَّ الْمَكْرُوهَ مَا قُلْنَا يَعْنِي صَوْمَ رَمَضَانَ وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِينَ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمْ حَيْثُ ذَكَرُوا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ حَدِيثِ التَّقَدُّمِ هُوَ التَّقَدُّمُ بِصَوْمِ رَمَضَانَ قَالُوا وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يُكْرَهَ وَاجِبٌ آخَرُ أَصْلًا وَإِنَّمَا كُرِهَ لِصُورَةِ النَّهْيِ فِي حَدِيثِ الْعِصْيَانِ الْآتِي وَتَصْحِيحُ هَذَا الْكَلَامِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ يَتْرُكُ صَوْمَهُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ تَوَرُّعًا وَإِلَّا فَبَعْدَ وُجُوبِ كَوْنِ الْمُرَادِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ التَّقَدُّمِ صَوْمَ رَمَضَانَ كَيْفَ يُوجِبُ حَدِيثُ الْعِصْيَانِ مَنْعَ غَيْرِهِ مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا حُمِلَ عَلَيْهِ حَدِيثُ التَّقَدُّمِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. اهـ.
مَا فِي الْفَتْحِ مُلَخَّصًا وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة تَصْحِيحُ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ أَيْ التَّحْرِيمِيَّةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ التَّوَرُّعَ تَرْكُهُ تَنْزِيهًا وَفِي الْمُحِيطِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُكْرَهَ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ إلَّا أَنَّهُ وُصِفَ بِنَوْعِ كَرَاهَةٍ احْتِيَاطًا فَلَا يُؤَثِّرُ فِي نُقْصَانِ الثَّوَابِ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا أَصْلَ لَهُ) كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ: وَيُرْوَى مَوْقُوفًا عَلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَهُوَ فِي مِثْلِهِ كَالْمَرْفُوعِ. اهـ. قُلْت: وَيَنْبَغِي حَمْلُ نَفْيِ الْأَصْلِيَّةِ عَلَى الرَّفْعِ كَمَا حَمَلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ النَّوَوِيِّ فِي حَدِيثِ «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ» أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَا أَصْلَ لِرَفْعِهِ وَإِلَّا فَقَدْ وَرَدَ مَوْقُوفًا عَلَى مُجَاهِدٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَكَذَا هَذَا أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا بِقَوْلِهِ، وَقَالَ صِلَةٌ عَنْ عَمَّارٍ مَنْ صَامَ إلَخْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرُهُمْ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ «صِلَةَ بْنِ زُفَرَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَمَّارٍ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَأَتَى بِشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ فَتَنَحَّى بَعْضُ الْقَوْمِ فَقَالَ عَمَّارٌ: مَنْ صَامَ هَذَا الْيَوْمَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ»
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَكَأَنَّهُ فَهِمَ مِنْ الرَّجُلِ الْمُتَنَحِّي أَنَّهُ قَصَدَ صَوْمَهُ عَنْ رَمَضَانَ فَلَا يُعَارِضُ مَا مَرَّ وَهَذَا بَعْدَ حَمْلِهِ عَلَى السَّمَاعِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا يَصُومُهُ الْخَوَاصُّ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ صَوْمًا يَعْتَادُهُ وَلَا صَامَ مِنْ آخِرِ شَعْبَانَ ثَلَاثَةً فَأَكْثَرَ اُسْتُحِبَّ صَوْمُهُ لِلْخَوَاصِّ.