وَبِالتَّعْلِيقِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ (وَسُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ) أَيْ سُنَّةُ كِفَايَةٍ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَغَيْرِهِ لِاقْتِرَانِهَا بِعَدَمِ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ مِنْ الصَّحَابَةِ (مُسْتَحَبٌّ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَزْمِنَةِ) هُوَ بِمَعْنَى غَيْرِ الْمُؤَكَّدَةِ.
(وَشُرِطَ الصَّوْمُ) لِصِحَّةِ (الْأَوَّلِ) اتِّفَاقًا (فَقَطْ) عَلَى الْمَذْهَبِ (فَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ لَمْ يَصِحَّ) وَإِنْ نَوَى مَعَهَا الْيَوْمَ لِعَدَمِ مَحَلِّيَّتِهَا لِلصَّوْمِ أَمَّا لَوْ نَوَى بِهَا الْيَوْمَ صَحَّ وَالْفَرْقُ لَا يَخْفَى (بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ) فِي نَذْرِهِ لَيْلًا وَنَهَارًا (فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَ) إنْ لَمْ يَكُنْ اللَّيْلُ مَحِلًّا
ــ
رد المحتار
وَسَيَأْتِي قَرِيبًا أَيْضًا مَعَ جَوَابِهِ (قَوْلُهُ وَبِالتَّعْلِيقِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالنَّذْرِ وَهَذَا قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالنَّذْرِ النَّذْرَ الْمُطْلَقَ كَمَا قَيَّدَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ فَلَا يُرَدُّ أَنَّ صُورَةَ التَّعْلِيقِ نَذْرٌ أَيْضًا وَأَنْ مُقْتَضَى الْعَطْفِ خِلَافُهُ نَعَمْ الْأَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ وَاجِبٌ بِالنَّذْرِ مُنَجَّزًا أَوْ مُعَلَّقًا كَمَا عَبَّرَ فِي الْبَحْرِ وَالْإِمْدَادِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَيْ سُنَّةُ كِفَايَةٍ) نَظِيرُهَا إقَامَةُ التَّرَاوِيحِ بِالْجَمَاعَةِ فَإِذَا قَامَ بِهَا الْبَعْضُ سَقَطَ الطَّلَبُ عَنْ الْبَاقِينَ فَلَمْ يَأْثَمُوا بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى تَرْكٍ بِلَا عُذْرٍ، وَلَوْ كَانَ سُنَّةَ عَيْنٍ لَأَثِمُوا بِتَرْكِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ إثْمًا دُونَ إثْمِ تَرْكِ الْوَاجِبِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ (قَوْلُهُ لِاقْتِرَانِهَا إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا أَوْرَدَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَيْهِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» وَالْمُوَاظَبَةُ دَلِيلُ السُّنَّةِ اهـ مِنْ أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ بِلَا تَرْكٍ دَلِيلُ الْوُجُوبِ وَالْجَوَابِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُنْكِرْ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَأَنْكَرَ. اهـ.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ إنَّمَا تُفِيدُ الْوُجُوبَ إذَا اقْتَرَنَتْ بِالْإِنْكَارِ عَلَى التَّارِكِ (قَوْلُهُ هُوَ بِمَعْنَى غَيْرِ الْمُؤَكَّدَةِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُسَمَّى سُنَّةً أَيْضًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي كَلَامِ الْهِدَايَةِ فِي بَابِ الْوِتْرِ إطْلَاقُ السُّنَّةِ عَلَى الْمُسْتَحَبِّ.
(قَوْلُهُ وَشُرِطَ الصَّوْمُ لِصِحَّةِ الْأَوَّلِ) أَيْ النَّذْرِ حَتَّى لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرًا بِغَيْرِ صَوْمٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَصُومَ بَحْرٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ فَقَطْ وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ وَمُقَابِلُهُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ أَنَّهُ شَرْطٌ لِلتَّطَوُّعِ أَيْضًا وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي أَنَّ التَّطَوُّعَ مُقَدَّرٌ بِيَوْمٍ أَوْ لَا فَفِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ، فَلَمْ يَكُنْ الصَّوْمُ شَرْطًا لَهُ وَعَلَى رِوَايَةِ تَقْدِيرِهِ بِيَوْمٍ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ أَيْضًا يَكُونُ الصَّوْمُ شَرْطًا لَهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا.
قُلْت: وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الصَّوْمَ شَرْطٌ أَيْضًا فِي الِاعْتِكَافِ الْمَسْنُونِ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْعَشْرِ الْأَخِيرِ حَتَّى لَوْ اعْتَكَفَهُ بِلَا صَوْمٍ لِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ، يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ عَنْهُ بَلْ يَكُونَ نَفْلًا فَلَا تَحْصُلُ بِهِ إقَامَةُ سُنَّةِ الْكِفَايَةِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْكَنْزِ سُنَّ لَبْثٌ فِي مَسْجِدٍ بِصَوْمٍ وَنِيَّةٍ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَنْذُورِ لِتَصْرِيحِهِ بِالسُّنِّيَّةِ وَلَا عَلَى التَّطَوُّعِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَأَقَلُّهُ نَفْلًا سَاعَةٌ فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى الْمَسْنُونِ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً، فَيَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ فِيهِ، وَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الصَّوْمَ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْمَنْذُورِ فَقَطْ دُونَ غَيْرِهِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا صَرَّحُوا بِكَوْنِهِ شَرْطًا فِي الْمَنْذُورِ غَيْرَ شَرْطٍ فِي التَّطَوُّعِ، وَسَكَتُوا عَنْ بَيَانِ حُكْمِ الْمَسْنُونِ لِظُهُورِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالصَّوْمِ عَادَةً وَلِهَذَا قَسَّمَ فِي مَتْنِ الدُّرَرِ الِاعْتِكَافَ إلَى الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الْمَنْذُورُ وَالْمَسْنُونُ وَالتَّطَوُّعُ، ثُمَّ قَالَ وَالصَّوْمُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْأَوَّلِ لَا الثَّالِثِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلثَّانِي لِمَا قُلْنَا وَلَوْ كَانَ مُرَادُهُمْ بِالتَّطَوُّعِ مَا يَشْمَلُ الْمَسْنُونَ لَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْأَوَّلِ فَقَطْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فَعِبَارَةُ صَاحِبِ الدُّرَرِ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ لِمَا عَلِمْته هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى مَعَهَا الْيَوْمَ) أَمَّا لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ الْيَوْمِ وَنَوَى اللَّيْلَةَ مَعَهُ لَزِمَاهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ لَا يَخْفَى) وَهُوَ أَنَّهُ فِي الْأُولَى لَمَّا جَعَلَ الْيَوْمَ تَبَعًا لِلَّيْلَةِ، وَقَدْ بَطَلَ نَذْرُهُ فِي الْمَتْبُوعِ وَهُوَ اللَّيْلَةُ بَطَلَ فِي التَّابِعِ وَهُوَ الْيَوْمُ وَفِي الثَّانِيَةِ أَطْلَقَ اللَّيْلَةَ وَأَرَادَ الْيَوْمَ مَجَازًا مُرْسَلًا بِمَرْتَبَتَيْنِ حَيْثُ اسْتَعْمَلَ الْمُقَيَّدَ وَهُوَ اللَّيْلَةُ فِي مُطْلَقِ الزَّمَنِ ثُمَّ اسْتَعْمَلَ هَذَا الْمُطْلَقَ فِي الْمُقَيَّدِ وَهُوَ الْيَوْمُ فَكَانَ الْيَوْمُ مَقْصُودًا. اهـ. ح.