بَابُ الْجِنَايَاتِ الْجِنَايَةُ: هُنَا مَا تَكُونُ حُرْمَتُهُ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ أَوْ الْحَرَمِ، وَقَدْ يَجِبُ بِهَا دَمَانِ أَوْ دَمٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ صَدَقَةٌ فَفَصَّلَهَا بِقَوْلِهِ (الْوَاجِبُ دَمٌ عَلَى مُحْرِمٍ بَالِغٍ) فَلَا شَيْءَ عَلَى الصَّبِيِّ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَلَوْ نَاسِيًا) أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا،
ــ
رد المحتار
مِنْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً، وَهُوَ عَامٌّ إلَّا أَنَّهُ خُصَّ بِمَا يَحْرُمُ مِنْ الْفِعْلِ، وَأَصْلُهُ مِنْ جَنْيِ الثَّمَرِ: وَهُوَ أَخْذُهُ مِنْ الشَّجَرِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، وَالْمُرَادُ هُنَا خَاصٌّ مِنْهُ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَجَمَعَهَا بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ أَوْ الْحَرَمِ) حَاصِلُ الْأَوَّلِ سَبْعَةٌ نَظَمَهَا الشَّيْخُ قُطْبُ الدِّينِ بِقَوْلِهِ:
مُحْرَمُ الْإِحْرَامِ يَا مَنْ يَدْرِي ... إزَالَةُ الشَّعْرِ وَقَصُّ الظُّفْرِ
وَاللُّبْسُ وَالْوَطْءُ مَعَ الدَّوَاعِي ... وَالطِّيبُ وَالدَّهْنُ وَصَيْدُ الْبَرِّ
زَادَ فِي الْبَحْرِ ثَامِنًا وَهُوَ تَرْكُ وَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ، فَلَوْ قَالَ. مُحْرِمُ الْإِحْرَامِ تَرْكُ وَاجِبٍ. إلَخْ كَانَ أَحْسَنَ.
وَحَاصِلُ الثَّانِي التَّعَرُّضُ لِصَيْدِ الْحَرَمِ وَشَجَرِهِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ بِسَبَبٍ إلَخْ ذِكْرُ الْجِمَاعِ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ مُطْلَقًا فَلَا يُوجِبُ الدَّمَ. وَقَالَ ط: وَفِيهِ أَنَّ ذِكْرَهُ إنَّمَا نُهِيَ عَنْهُ مُطْلَقًا بِحَضْرَةِ مَنْ لَا يَجُوزُ قُرْبَانُهُ، أَمَّا الْحَلَائِلُ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ إلَّا الْمُحْرِمُ وَهُوَ دَاخِلٌ فِيمَا تَكُونُ حُرْمَتُهُ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ (قَوْلُهُ وَقَدْ يَجِبُ بِهَا دَمَانِ) كَجِنَايَةِ الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ بَعْدَ أَنْ تَلَبَّسَ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ ط (قَوْلُهُ أَوْ دَمٌ) كَأَكْثَرِ جِنَايَاتِ الْمُفْرِدِ (قَوْلُهُ أَوْ صَوْمٌ أَوْ صَدَقَةٌ) أَوْ فِيهَا لِلتَّخْيِيرِ، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا جَنَى عَلَى الصَّيْدِ أَوْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ حَلَقَ بِعُذْرٍ، فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الذَّبْحِ وَالتَّصَدُّقِ وَالصِّيَامِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، أَوْ أَنَّ الثَّانِيَةَ فَقَطْ لِلتَّخْيِيرِ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ فِي نَحْوِ مَا لَوْ قَتَلَ عُصْفُورًا. وَفِي الْهِدَايَةِ: وَكُلُّ صَدَقَةٍ فِي الْإِحْرَامِ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ فَهِيَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ إلَّا مَا يَجِبُ بِقَتْلِ الْقَمْلَةِ وَالْجَرَادَةِ اهـ زَادَ الشُّرَّاحُ أَوْ بِإِزَالَةِ شَعَرَاتٍ قَلِيلَةٍ، لَكِنْ أَرَادَ بِالصَّدَقَةِ هُنَا الْأَعَمَّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى أَوْ صَدَقَةٌ وَلَوْ رُبْعَ صَاعٍ بِقَتْلِ حَمَامَةٍ أَوْ ثَمَرَةٌ بِقَتْلِ جَرَادَةٍ (قَوْلُهُ فَفَصَّلَهَا) أَيْ فَلَمَّا اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهَا فَصَّلَهَا ط فَالْفَاءُ تَفْرِيعِيَّةٌ (قَوْلُهُ الْوَاجِبُ دَمٌ) فَسَّرَهُ ابْنُ مَالِكٍ بِالشَّاةِ، وَأَشَارَ فِي الْبَحْرِ إلَى سِرِّهِ بِقَوْلِهِ إنَّ سُبْعَ الْبَدَنَةِ لَا يَكْفِي فِي هَذَا الْبَابِ، بِخِلَافِ دَمِ الشُّكْرِ، لَكِنْ قَالَ بَعْدَهُ فِيمَا لَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِجِمَاعٍ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ أَنَّهُ يَقُومُ الشِّرْكُ فِي الْبَدَنَةِ مَقَامَ الشَّاةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. شُرُنْبُلَالِيَّةٌ.
قُلْت: وَفِي أُضْحِيَّةِ الْقُهُسْتَانِيِّ: لَوْ ذَبَحَ سَبْعَةٌ عَنْ أُضْحِيَّةٍ وَمُتْعَةٍ وَقِرَانٍ وَإِحْصَارٍ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ أَوْ الْحَلْقِ وَالْعَقِيقَةِ وَالتَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي ظَاهِرِ الْأُصُولِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْأَفْضَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَلَوْ كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مُتَقَرِّبٌ جَازَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُكْرَهُ كَمَا فِي النَّظْمِ اهـ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْمُحَشِّينَ قَالَ: وَمَا فِي الْبَحْرِ مُنَاقِضٌ لِمَا ذَكَرَهُ هُوَ فِي بَابِ الْهَدْيِ أَنَّ سُبْعَ الْبَدَنَةِ يُجْزِئُ وَكَذَلِكَ أَغْلَبُ كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَالْمَنَاسِكِ مُصَرِّحَةٌ بِالْإِجْزَاءِ اهـ فَافْهَمْ تَنْبِيهٌ
فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْقَارِيِّ: ثُمَّ الْكَفَّارَاتُ كُلُّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى التَّرَاخِي، فَيَكُونُ مُؤَدِّيًا فِي أَيِّ وَقْتٍ، وَإِنَّمَا يَتَضَيَّقُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ فِي وَقْتٍ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُؤَدِّهِ لَفَاتَ، فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ فِيهِ حَتَّى مَاتَ أَثِمَ وَعَلَيْهِ الْوَصِيَّةُ بِهِ، وَلَوْ لَمْ يُوصِ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَلَوْ تَبَرَّعُوا عَنْهُ جَازَ إلَّا الصَّوْمُ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَاسِيًا إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ: ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ بَيْنَ مَا إذَا جَنَى عَامِدًا أَوْ خَاطِئًا، مُبْتَدِئًا أَوْ عَائِدًا، ذَاكِرًا أَوْ نَاسِيًا، عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا، نَائِمًا أَوْ مُنْتَبِهًا، سَكْرَانًا أَوْ صَاحِيًا، مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مُفِيقًا، مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا بِمُبَاشَرَتِهِ أَوْ مُبَاشَرَةِ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ.