(وَإِنْ عُرِفَ لَا) يَصِحُّ النِّكَاحُ اتِّفَاقًا وَكَذَا لَوْ كَانَ سَكْرَانَ فَزَوَّجَهَا مِنْ فَاسِقٍ، أَوْ شِرِّيرٍ، أَوْ فَقِيرٍ، أَوْ ذِي حِرْفَةٍ دَنِيَّةٍ لِظُهُورِ سُوءِ اخْتِيَارِهِ فَلَا تُعَارِضُهُ شَفَقَتُهُ الْمَظْنُونَةُ بَحْرٌ (وَإِنْ كَانَ الْمُزَوِّجُ غَيْرَهُمَا) أَيْ غَيْرَ الْأَبِ وَأَبِيهِ وَلَوْ الْأُمَّ أَوْ الْقَاضِي
ــ
رد المحتار
الِاخْتِيَارِ لِسَفَهِهِ أَوْ لِطَمَعِهِ لَا يَجُوزُ عَقْدُهُ إجْمَاعًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ عُرِفَ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ) اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِمَا فِي النَّوَازِلِ: لَوْ زَوَّجَ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ مِمَّنْ يُنْكِرُ أَنَّهُ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ، فَإِذَا هُوَ مُدْمِنٌ لَهُ وَقَالَتْ لَا أَرْضَى بِالنِّكَاحِ أَيْ مَا بَعْدَ مَا كَبِرَتْ إنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ الْأَبُ بِشُرْبِهِ وَكَانَ غَلَبَةُ أَهْلِ بَيْتِهِ صَالِحِينَ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا زَوَّجَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ كُفْءٌ اهـ قَالَ إذْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ الْأَبُ بِشُرْبِهِ فَالنِّكَاحُ نَافِذٌ مَعَ أَنَّ مَنْ زَوَّجَ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ الْقَابِلَةَ لِلتَّخَلُّقِ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ شِرِّيبٌ فَاسِقٌ فَسُوءُ اخْتِيَارِهِ ظَاهِرٌ. ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَحَقُّقِ سُوءِ اخْتِيَارِهِ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِهِ فَلَا يَلْزَمُ بُطْلَانُ النِّكَاحِ عَنْهُ تَحَقُّقَ سُوءِ الِاخْتِيَارِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ لِلنَّاسِ كَوْنُهُ مَعْرُوفًا بِمِثْلِ ذَلِكَ. اهـ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمَانِعَ هُوَ كَوْنُ الْأَبِ مَشْهُورًا بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا بِذَلِكَ ثُمَّ زَوَّجَ بِنْتَه مِنْ فَاسِقٍ صَحَّ وَإِنْ تَحَقَّقَ بِذَلِكَ أَنَّهُ سَيِّئُ الِاخْتِيَارِ وَاشْتُهِرَ بِهِ عِنْدَ النَّاسِ، فَلَوْ زَوَّجَ بِنْتًا أُخْرَى مِنْ فَاسِقٍ لَمْ يَصِحَّ الثَّانِي لِأَنَّهُ كَانَ مَشْهُورًا بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ قَبْلَهُ، بِخِلَافِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ وُجُودِ الْمَانِعِ قَبْلَهُ، وَلَوْ كَانَ الْمَانِعُ مُجَرَّدَ تَحَقُّقِ سُوءِ الِاخْتِيَارِ بِدُونِ الِاشْتِهَارِ لَزِمَ إحَالَةُ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي قَوْلَهُمْ وَلَزِمَ النِّكَاحُ وَلَوْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ أَوْ بِغَيْرِ كُفْءٍ إنْ كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ جَدًّا.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ النَّوَازِلِ مِنْ أَنَّ النِّكَاحَ بَاطِلٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُ سَيَبْطُلُ كَمَا فِي الذَّخِيرَة، لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا لَمْ تَرْضَ الْبِنْتُ بَعْدَمَا كَبِرَتْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الْقُنْيَةِ: زَوَّجَ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ مِنْ رَجُلٍ ظَنَّهُ حُرَّ الْأَصْلِ وَكَانَ مُعْتَقًا فَهُوَ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ.
وَعُلِمَ مِنْ عِبَارَةِ الْقُنْيَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الْكَفَاءَةِ بَيْنَ كَوْنِهِ بِسَبَبِ الْفِسْقِ أَوْ غَيْرِهِ، حَتَّى لَوْ زَوَّجَهَا مِنْ فَقِيرٍ أَوْ ذِي حِرْفَةٍ دَنِيَّةٍ وَلَمْ يَكُنْ كُفُؤًا لَهَا لَمْ يَصِحَّ فَقَصَرَ ابْنُ الْهُمَامِ كَلَامَهُمْ عَلَى الْفَاسِقِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْبَيْتِ إذَا بَلَغْت إنَّمَا هُوَ فِي الصَّغِيرَةِ، أَمَّا لَوْ زَوَّجَ الْأَوْلِيَاءُ الْكَبِيرَةَ بِإِذْنِهَا وَلَمْ يَعْلَمُوا عَدَمَ الْكَفَاءَةِ ثُمَّ ظَهَرَ عَدَمُهَا فَلَا خِيَارَ لِأَحَدٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ أَوَّلَ الْبَابِ الْآتِي وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ هُنَاكَ (قَوْلُهُ فَزَوَّجَهَا مِنْ فَاسِقٍ إلَخْ) وَكَذَا لَوْ زَوَّجَهَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فِي الْمَهْرِ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا وَالصَّاحِي يَجُوزُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ السَّكْرَانِ أَنَّهُ لَا يَتَأَمَّلُ إذْ لَيْسَ لَهُ رَأْيٌ كَامِلٌ، فَبَقِيَ النُّقْصَانُ ضَرَرًا مَحْضًا وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الصَّاحِي أَنَّهُ يَتَأَمَّلُ بَحْرٌ عَنْ الذَّخِيرَةِ ثُمَّ قَالَ: وَكَذَا السَّكْرَانُ لَوْ زُوِّجَ مِنْ غَيْرِ الْكُفْءِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَبِ مَنْ لَيْسَ بِسَكْرَانَ وَلَا عُرِفَ بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ. اهـ.
قُلْت: وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ أَنَّ السَّكْرَانَ أَوْ الْمَعْرُوفَ بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ لَوْ زَوَّجَهَا مِنْ كُفْءٍ بِمَهْرِ الْمِثْلِ صَحَّ لِعَدَمِ الضَّرَرِ الْمَحْضِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الصَّاحِي أَنَّهُ يَتَأَمَّلُ أَيْ أَنَّهُ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ بِالْأُبُوَّةِ لَا يُزَوِّجُ بِنْتَه مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ أَوْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ تَزِيدُ عَلَى هَذَا الضَّرَرِ كَعِلْمِهِ بِحُسْنِ الْعِشْرَةِ مَعَهَا وَقِلَّةِ الْأَذَى وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذَا مَقْصُودٌ فِي السَّكْرَانِ وَسَيِّئِ الِاخْتِيَارِ إذَا خَالَفَ لِظُهُورِ عَدَمِ رَأْيِهِ وَسُوءِ اخْتِيَارِهِ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ أَيْ غَيْرَ الْأَبِ وَأَبِيهِ) الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ وَالِابْنِ وَالْمَوْلَى لِمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلَوْ الْأُمَّ أَوْ الْقَاضِيَ) هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ وِلَايَةِ الْأَخِ وَالْعَمِّ، فَإِذَا ثَبَتَ الْخِيَارُ فِي الْحَاجِبِ فَفِي الْمَحْجُوبِ أَوْلَى بَحْرٌ. وَلِقُصُورِ الرَّأْيِ فِي الْأُمِّ وَنُقْصَانِ