(لَا) يَلْحَقُ الْبَائِنُ (الْبَائِنُ)
ــ
رد المحتار
لَا يَقَعُ الثَّلَاثُ؛ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ. قَالَ: وَفِي فُصُولِ الْأُسْرُوشَنِيِّ مِثْلُهُ اهـ وَقَدْ تَكَفَّلَ بِرَدِّهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَأَقَرَّهُ. وَقَدْ تَكَرَّرَ أَنَّ الزَّاهِدِيَّ يَنْقُلُ الرِّوَايَاتِ الضَّعِيفَةَ فَلَا يُتَابَعُ فِيمَا يَنْفَرِدُ بِهِ وَقَدْ وُجِدَ النَّقْلُ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا بِمَا يُخَالِفُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ فِي الدُّرَرِ وَالْيَعْقُوبِيَّةِ عَلَى خِلَافِهِ أَيْضًا كَمَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا، وَيَكْفِينَا قُدْوَةً مَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ مَنْ بَعْدَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَلِذَا اعْتَمَدَهُ الشَّارِحُ وَجَعَلَهُ الْمَشْهُورَ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَطْعًا أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ خَلَعَهَا ثُمَّ قَالَ فِي عِدَّةِ الْخُلْعِ أَنْتِ طَالِقٌ فَهَذَا صَرِيحٌ لَفْظًا بَائِنٌ مَعْنًى وَهُوَ وَاقِعٌ قَطْعًا؛ فَقَدْ اسْتَدَلُّوا عَلَى لُحُوقِ الصَّرِيحِ الْبَائِنَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} البقرة: ٢٢٩ يَعْنِي الْخُلْعَ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} البقرة: ٢٣٠ إلَخْ وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَهُوَ نَصٌّ عَلَى وُقُوعِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ الْخُلْعِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الدُّرَرِ عَنْ التَّلْوِيحِ
وَفِي حَوَاشِي الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ قَالَ فِي مُشْتَمِلِ الْأَحْكَامِ: وَالْبَائِنُ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ يَعْنِي الْبَائِنَ اللَّفْظِيَّ، أَمَّا الْبَائِنُ الْمَعْنَوِيُّ يَلْحَقُ اللَّفْظِيَّ مِثْلَ الثَّلَاثِ مِنْ الْمَبْسُوطِ. اهـ.
(قَوْلُهُ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنُ الْبَائِنَ) الْمُرَادُ بِالْبَائِنِ الَّذِي لَا يَلْحَقُ هُوَ مَا كَانَ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي لَيْسَ ظَاهِرًا فِي إنْشَاءِ الطَّلَاقِ كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ الَّذِي لَا يَلْحَقُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْبَائِنَ الْمُوقَعَ أَوَّلًا أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ أَوْ بِلَفْظِ الصَّرِيحِ الْمُفِيدِ لِلْبَيْنُونَةِ كَالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالصَّرِيحِ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ أَعْنِي قَوْلَهُمْ فَالْبَائِنُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ لَا الْبَائِنَ هُوَ الصَّرِيحُ الرَّجْعِيُّ فَقَطْ دُونَ الصَّرِيحِ الْبَائِنِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ أَوَّلًا عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ الصَّرِيحَ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ بَائِنًا كَانَ الْوَاقِعُ بِهِ أَوْ رَجْعِيًّا خَاصٌّ بِالصَّرِيحِ فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى: أَعْنِي قَوْلَهُمْ الصَّرِيحُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ وَالْبَائِنَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْفَتْحِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُنَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا أُمُورٌ:
مِنْهَا مَا أَطْبَقُوا عَلَيْهِ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ عَدَمَ لُحُوقِ الْبَائِنِ الْبَائِنَ بِإِمْكَانِ جَعْلِ الثَّانِي خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ؛ وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ الْبَائِنُ الْأَوَّلُ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ أَوْ بِلَفْظِ الصَّرِيحِ.
وَمِنْهَا مَا فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ الَّذِي هُوَ جَمْعُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي كُتُبِهِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ثُمَّ قَالَ لَهَا فِي عِدَّتِهَا أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ بَتَّةٌ أَوْ شِبْهُ ذَلِكَ وَهُوَ يُرِيدُ بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي قَوْلِهِ هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ وَهِيَ مِنِّي بَائِنٌ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ جَعْلُ الثَّانِي خَبَرًا مِنْ الْأَوَّلِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الصَّرِيحُ الْبَائِنُ بِقَرِينَةِ مُقَابَلَتِهِ لَهُ بِأَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ تَأَمَّلْ
وَمِنْهَا قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ: أَمَّا كَوْنُ الْبَائِنِ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْقَيْدَ الْحُكْمِيَّ بَاقٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِبَقَاءِ الِاسْتِمْتَاعِ اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّرِيحِ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ هُوَ الصَّرِيحُ الرَّجْعِيُّ، إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ بَقَاءَ قَيْدِ النِّكَاحِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَبَقَاءَ الِاسْتِمْتَاعِ لَا يَكُونُ بَعْدَ الصَّرِيحِ الْبَائِنِ
وَمِنْهَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ الْمَنْصُورِيِّ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا يَلْحَقُهَا الْكِنَايَاتُ، لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ بَاقٍ؛ فَتَقْيِيدُهُ بِالرَّجْعِيِّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّرِيحَ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُهُ الْكِنَايَاتُ؛ وَكَذَا تَعْلِيلُهُ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ.
وَمِنْهَا مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة قُبَيْلَ الْفَصْلِ السَّادِسِ: وَلَوْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ أَوْ خَلَعَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ يَصِحُّ، وَلَوْ طَلَّقَهَا بِمَالٍ ثُمَّ خَلَعَهَا فِي الْعِدَّةِ لَا يَصِحُّ. اهـ.
فَانْظُرْ كَيْف فَرَّقَ بَيْنَ الرَّجْعِيِّ وَالصَّرِيحَ الْبَائِنِ وَهُوَ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ حَيْثُ جَعَلَ الْخُلْعَ وَاقِعًا بَعْدَ الْأَوَّلِ لَا بَعْدَ