وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي الْوَصْفِ لَا تُبْطِلُ الْجَوَابَ بِخِلَافِ الْأَصْلِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتِهَا، فَإِنْ عَلَّقَهُ فَعَكَسَتْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِأَنَّهَا مَا أَتَتْ بِمَشِيئَةِ مَا فُوِّضَ إلَيْهَا خَانِيَّةٌ بَحْرٌ،
(قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ فَقَالَتْ شِئْتُ إنْ شِئْتَ أَنْتِ، فَقَالَ: شِئْتُ يَنْوِي الطَّلَاقَ أَوْ قَالَتْ شِئْتُ إنْ كَانَ كَذَا لِمَعْدُومٍ) أَيْ لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ كَإِنْ شَاءَ أَبِي أَوْ إنْ جَاءَ اللَّيْلُ وَهِيَ فِي النَّهَارِ (بَطَلَ) الْأَمْرُ لِفَقْدِ الشَّرْطِ.
(وَإِنْ قَالَتْ شِئْتُ إنْ كَانَ الْأَمْرُ قَدْ مَضَى) أَرَادَ بِالْمَاضِي الْمُحَقَّقَ وُجُودُهُ كَإِنْ كَانَ أَبِي فِي الدَّارِ وَهُوَ فِيهَا، أَوْ إنْ كَانَ هَذَا لَيْلًا وَهِيَ فِيهِ مَثَلًا (طَلُقَتْ) لِأَنَّهُ تَنْجِيزٌ (قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ مَتَى شِئْت أَوْ مَتَى مَا شِئْت أَوْ إذَا شِئْت
ــ
رد المحتار
لِأَنَّهَا مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى نِيَّتِهِ وَقَدْ أَمَرَهُ بِطَلَاقٍ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ فَكَانَ مُخَالِفًا فِي الْأَصْلِ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ بِكُلِّ لَفْظٍ يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بِهِ صَرِيحًا كَانَ أَوْ كِنَايَةً لَكِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ النَّقْلِ بِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بِالْكِنَايَةِ بَحْرٌ.
وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْوَكِيلَ يَكُونُ مُخَالِفًا بِإِيقَاعِهِ بِالْكِنَايَةِ.
هَذَا وَقَيَّدَ الشِّهَابُ الشَّلَبِيُّ كَلَامَ الْمَتْنِ بِمَا إذَا قَالَتْ طَلَّقْتُ نَفْسِي بَائِنَةً بِخِلَافِ أَبَنْتُ نَفْسِي فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَقَالَ: فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ فَإِنَّك لَا تَجِدُهُ فِي شَرْحٍ مِنْ الشُّرُوحِ، وَنَقَلَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَأَقَرَّهُ.
قُلْت: لَكِنَّ الشَّلَبِيَّ قَيَّدَ بِذَلِكَ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ قَاضِي خَانْ فِي الْوَكِيلِ وَهُوَ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَفِيهِ مَا عَلِمْتَ مَعَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْفَصْلِ أَنَّهَا تَطْلُقُ بِقَوْلِهَا أَبَنْت نَفْسِي فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ إنْ كَانَتْ فِي الْوَصْفِ لَا تُبْطِلُ الْجَوَابَ بَلْ يَبْطُلُ الْوَصْفُ الَّذِي بِهِ الْمُخَالَفَةُ وَيَقَعُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَوَّضَ بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي الْأَصْلِ حَيْثُ يَبْطُلُ كَمَا إذَا فَوَّضَ وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ فَوَّضَ ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ أَلْفًا (قَوْلُهُ خَانِيَّةٌ بَحْرٌ) أَيْ نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَبَحْرٌ بِالْوَاوِ وَهِيَ صَحِيحَةٌ أَيْضًا، بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَفَادٌ مِنْ مَجْمُوعِ الْكِتَابَيْنِ، فَإِنَّهُ فِي الْخَانِيَّةِ ذَكَرَ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ وَاحِدَةً بَائِنَةً إنْ شِئْتِ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا رَجْعِيَّةً، أَوْ قَالَ وَاحِدَةً أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ إنْ شِئْتُ فَطَلَّقَتْ بَائِنَةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهَا مَا أَتَتْ بِمَشِيئَةِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا فَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ فِي الْبَحْرِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَفْرُوضٌ فِي غَيْرِ الْمُعَلَّقِ بِالْمَشِيئَةِ فَافْهَمْ
(قَوْلُهُ أَيْ لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ) لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ لِمَعْدُومٍ صَادِقًا عَلَى مَا مَضَى وَانْقَطَعَ مَعَ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِهِ تَنْجِيزٌ خَصَّصَهُ بِقَوْلِهِ أَيْ لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ ح، وَإِنَّمَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ اعْتِمَادًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي مُقَابِلِهِ (قَوْلُهُ كَإِنْ شَاءَ إلَخْ) مَثَّلَ بِمِثَالَيْنِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْدُومُ مُحَقَّقَ الْمَجِيءِ أَوْ مُحْتَمِلَهُ ح (قَوْلُهُ بَطَلَ الْأَمْرُ إلَخْ) أَيْ حَالَ الطَّلَاقِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَتِهَا الْمُنَجَّزَةِ وَهِيَ أَنْتِ بِالْمُعَلَّقَةِ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ، قَيَّدَ بِقَوْلِهِ شِئْت مُقْتَصِرَةً عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ شِئْتُ طَلَاقِي إلَخْ وَقَعَ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَذْكُرْ الطَّلَاقَ لَا تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ بِلَا لَفْظٍ صَالِحٍ لِلْإِيقَاعِ.
وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ شِئْتُ طَلَاقَكِ وَقَعَ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ لِأَنَّهَا مِنْ الشَّيْءِ وَهُوَ الْمَوْجُودُ بِخِلَافِ أَرَدْتُ طَلَاقَكِ لِأَنَّهُ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ، فَقَدْ فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ فِي صِفَاتِ الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَا مُتَرَادِفَيْنِ فِي صِفَاتِهِ تَعَالَى كَمَا هُوَ اللُّغَةُ فِيهِمَا، وَأَحْبَبْتُ وَرَضِيتُ مِثْلُ أَرَدْتُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَتْ) أَيْ فِي الْمَجْلِسِ (قَوْلُهُ أَرَادَ بِالْمَاضِي الْمُحَقَّقَ وُجُودُهُ) أَيْ سَوَاءٌ وُجِدَ وَانْقَضَى، مِثْلُ إنْ كَانَ فُلَانٌ قَدْ جَاءَ وَقَدْ جَاءَ أَوْ كَانَ حَاضِرًا كَمَا مَثَّلَ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ مَثَلًا) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ لَيْلًا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَنْجِيزٌ) أَيْ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِكَائِنٍ تَنْجِيزٌ، وَلِذَا صَحَّ تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ بِكَائِنٍ، وَلَا يَرِدُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ هُوَ كَافِرٌ إنْ كُنْتُ كَذَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَهُ مَعَ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ،