أَهْلِهِ قَبْلَ اغْتِسَالِهِ إلَّا إذَا احْتَلَمَ لَمْ يَأْتِ أَهْلَهُ. قَالَ الْحَلَبِيُّ: ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ إنَّمَا يُفِيدُ النَّدْبَ لَا نَفْيَ الْجَوَازِ الْمُفَادِ مِنْ كَلَامِهِ. (وَالتَّفْسِيرُ كَمُصْحَفٍ لَا الْكُتُبُ الشَّرْعِيَّةُ) فَإِنَّهُ رَخَّصَ مَسَّهَا بِالْيَدِ لَا التَّفْسِيرِ كَمَا فِي الدُّرَرِ عَنْ مَجْمَعِ الْفَتَاوَى. وَفِي السِّرَاجِ: الْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَأْخُذَ الْكُتُبَ الشَّرْعِيَّةَ بِالْكُمِّ أَيْضًا تَعْظِيمًا، لَكِنْ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ قَاعِدَةِ: إذَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ رُجِّحَ الْحَرَامُ.
ــ
رد المحتار
وَفِي الْخِزَانَةِ وَإِنْ تَرَكَ لَا يَضُرُّهُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا بَأْسَ بِهِ. وَفِيهَا، وَاخْتُلِفَ فِي الْحَائِضِ، قِيلَ كَالْجُنُبِ، وَقِيلَ لَا يُسْتَحَبُّ لَهَا؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ لَا يُزِيلُ نَجَاسَةَ الْحَيْضِ عَنْ الْفَمِ وَالْيَدِ، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ.
(قَوْلُهُ: لَمْ يَأْتِ أَهْلَهُ) أَيْ مَا لَمْ يَغْتَسِلْ لِئَلَّا يُشَارِكَهُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَفَادَهُ رُكْنُ الْإِسْلَامِ. وَفِي الْبُسْتَانِ قَالَ ابْنُ الْمُقَنَّعِ، يَأْتِي الْوَلَدُ مَجْنُونًا أَوْ بَخِيلًا إسْمَاعِيلُ.
(قَوْلُهُ: قَالَ الْحَلَبِيُّ إلَخْ) هُوَ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ بْنُ أَمِيرِ الْحَاجِّ الْحَلَبِيُّ شَارِحُ الْمُنْيَةِ وَالتَّحْرِيرِ الْأُصُولِيِّ.
(قَوْلُهُ: ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ إلَخْ) يُشْعِرُ بِأَنَّهُ وَرَدَتْ فِي الِاحْتِلَامِ أَحَادِيثُ وَالْحَالُ أَنَّا لَمْ نَقِفْ فِيهِ عَلَى حَدِيثٍ وَاحِدٍ. وَاَلَّذِي وَرَدَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَارَ عَلَى نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ» وَوَرَدَ «أَنَّهُ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ وَاغْتَسَلَ عِنْدَ هَذِهِ وَعِنْدَ هَذِهِ» فَقُلْنَا بِاسْتِحْبَابِهِ. وَأَمَّا الِاحْتِلَامُ فَلَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، عَلَى أَنَّهُ مِنْ جِهَةِ الْفِعْلِ مُحَالٌ؛ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ مَعْصُومُونَ عَنْهُ، غَايَةُ مَا يُقَالُ إنَّهُ لَمَّا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْغُسْلِ لِمَنْ أَرَادَ الْمُعَاوَدَةَ عُلِمَ اسْتِحْبَابُهُ لِلْجُنُبِ إذَا أَرَادَ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَتْ الْجَنَابَةُ مِنْ الْجِمَاعِ أَوْ الِاحْتِلَامِ. اهـ. نُوحٌ أَفَنْدِي وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ، إلَّا أَنَّ عِبَارَةَ الْحَلَبِيِّ لَيْسَ فِيهَا اسْتِدْلَالٌ بِالْأَحَادِيثِ عَلَى النَّدْبِ، وَإِنَّمَا نَفْيُ الدَّلِيلِ عَلَى الْوُجُوبِ وَالشَّارِحُ تَابَعَ صَاحِبَ الْبَحْرِ فِي عَزْوِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ إلَيْهِ، وَنَصُّ عِبَارَةِ الْحَلَبِيِّ فِي الْحِلْيَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ جُمْلَةَ أَحَادِيثَ: فَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْمُعَاوَدَةَ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ وَلَا غُسْلٍ بَيْنَ الْجِمَاعَيْنِ أَمْرٌ جَائِزٌ، وَأَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا الْغُسْلُ أَوْ الْوُضُوءُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ الْفَرْعَ الْمَذْكُورَ عَنْ الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ إلَّا إذَا احْتَلَمَ لَمْ يَأْتِ أَهْلَهُ، هَذَا إنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى النَّدْبِ غَرِيبٌ ثُمَّ لَا دَلِيلَ فِيمَا يَظْهَرُ يَدُلُّ عَلَى الْحُرْمَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: مِنْ كَلَامِهِ) أَيْ كَلَامِ الْمُبْتَغَى وَلَيْسَ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ هَذَا الضَّمِيرُ.
(قَوْلُهُ: وَالتَّفْسِيرُ كَمُصْحَفٍ) ظَاهِرَةُ حُرْمَةُ الْمَسِّ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّشْبِيهِ وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَا نَصَّ فِيهِ بِخِلَافِ الْمُصْحَفِ، فَالْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرُ بِالْكَرَاهَةِ كَمَا عَبَّرَ غَيْرُهُ.
(قَوْلُهُ: لَا الْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَيُكْرَهُ مَسُّ الْمُحْدِثِ الْمُصْحَفَ كَمَا يُكْرَهُ لِلْجُنُبِ، وَكَذَا كُتُبُ الْأَحَادِيثِ وَالْفِقْهِ عِنْدَهُمَا. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ عِنْدَهُ. اهـ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَجْهُ قَوْلِهِ إنَّهُ لَا يُسَمَّى مَاسًّا لِلْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ مَا فِيهَا مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ التَّابِعِ اهـ وَمَشَى فِي الْفَتْحِ عَلَى الْكَرَاهَةِ فَقَالَ: قَالُوا: يُكْرَهُ مَسُّ كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ وَالسُّنَنِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَمْنَعُ مِنْ شُرُوحِ النَّحْوِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْأَشْبَاهِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ وَالتَّفْسِيرُ كَمُصْحَفٍ، فَإِنَّ مَا فِي الْأَشْبَاهِ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ مَسِّ التَّفْسِيرِ، فَهُوَ كَسَائِرِ الْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ، بَلْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا، وَقَدْ صَرَّحَ بِجَوَازِهِ أَيْضًا فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ. وَفِي السِّرَاجِ عَنْ الْإِيضَاحِ أَنَّ كُتُبَ التَّفْسِيرِ لَا يَجُوزُ مَسُّ مَوْضِعِ الْقُرْآنِ مِنْهَا، وَلَهُ أَنْ يَمَسَّ غَيْرَهُ وَكَذَا كُتُبُ الْفِقْهِ إذَا كَانَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ، بِخِلَافِ الْمُصْحَفِ فَإِنَّ الْكُلَّ فِيهِ تَبَعٌ لِلْقُرْآنِ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّفْسِيرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ وَعَدَمِهِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُقْتَضَى مَا فِي الْخُلَاصَةِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ مَنْ أَثْبَتَهَا حَتَّى فِي التَّفْسِيرِ نَظَرَ إلَى مَا فِيهَا مِنْ الْآيَاتِ، وَمَنْ نَفَاهَا نَظَرَ إلَى أَنَّ الْأَكْثَرَ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَهَذَا يَعُمُّ التَّفْسِيرَ أَيْضًا، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْقُرْآنَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ اهـ