إذْ لَا يَسُودُ سَيِّدٌ بِدُونِ وَدُودٍ يَمْدَحُ، وَحَسُودٍ يَقْدَحُ، لِأَنَّ مَنْ زَرَعَ الْإِحَنَ، حَصَدَ الْمِحَنَ؛ فَاللَّئِيمُ يَفْضَحُ، وَالْكَرِيمُ يُصْلِحُ
لَكِنْ يَا أَخِي بَعْدَ الْوُقُوفِ
ــ
رد المحتار
النُّونَيْنِ تَخْفِيفًا. اهـ. ح. وَشَرُّ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ حُذِفَتْ هَمْزَتُهُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا حُذِفَتْ مِنْ خَيْرٍ وَإِثْبَاتُهَا لُغَةٌ قَلِيلَةٌ أَوْ رَدِيئَةٌ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَكُلِّهِمْ بِالْجَرِّ تَأْكِيدٌ لِلنَّاسِ لِإِفَادَةِ الشُّمُولِ. وَلَا يُقَالُ الْكَافِرُ شَرٌّ مِمَّنْ لَمْ يَحْسُدْ فَكَيْفَ يَكُونُ مَنْ لَمْ يَحْسُدْ شَرًّا مِنْهُ؟ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ لَمْ يَحْسُدْ، بَلْ لَيْسَ لَهُ مَا يُحْسَدُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ} المؤمنون: ٥٥- الْآيَةَ فَافْهَمْ، فَافْهَمْ. وَفِي النَّاسِ بِمَعْنَى مَعَهُمْ، وَيَوْمًا ظَرْفٌ لَعَاشَ، وَغَيْرَهُ بِالنَّصْبِ حَالٌ، وَقَدْ أَتَى الشَّارِحُ بِهَذَا الْبَيْتِ تَبَعًا لِابْنِ الشِّحْنَةِ تَسْلِيَةً لِلنَّفْسِ، فَإِنَّ الْحَسَدَ لَا يَكُونُ إلَّا لِذَوِي الْكَمَالِ الْمُتَّصِفِينَ بِأَكْمَلِ الْخِصَالِ، وَفِي مَعْنَاهُ مَا يُنْسَبُ إلَى عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ:
إنْ يَحْسُدُونِي فَإِنِّي غَيْرُ لَائِمِهِمْ ... قَبْلِي مِنْ النَّاسِ أَهْلُ الْفَضْلِ قَدْ حُسِدُوا
فَدَامَ بِي وَبِهِمْ مَا بِي وَمَا بِهِمْ ... وَمَاتَ أَكْثَرُنَا غَيْظًا بِمَا يَجِدُ
(قَوْلُهُ: إذْ لَا يَسُودُ) أَيْ لَا يَصِيرُ ذَا سُؤْدُدٍ وَفَخَارٍ، وَأَصْلُهُ يَسُودُ كَيَنْصُرُ نُقِلَتْ حَرَكَةُ الْوَاوِ إلَى السَّاكِنِ قَبْلَهَا فَسَكَنَتْ الْوَاوُ، وَهَذَا عِلَّةٌ لِمَفْهُومِ وَشَرُّ النَّاسِ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ شَرُّ النَّاسِ مَنْ لَمْ يُحْسَدْ نَتَجَ أَنَّ خَيْرَهُمْ مَنْ يُحْسَدُ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا فِي سِيَادَتِهِ، لِأَنَّ الْمَدْحَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الرِّيَاسَةُ وَالسُّؤْدُدُ، وَالْقَدْحُ فِيهِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحِلْمُ وَالتَّحَمُّلُ وَالصَّفْحُ وَذَلِكَ فِي السِّيَادَةِ أَيْضًا. اهـ. ط. قُلْت: وَالْحَسُودُ أَيْضًا سَبَبٌ فِي السِّيَادَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبٌ لِنَشْرِ مَا انْطَوَى مِنْ الْفَضَائِلِ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ:
وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ نَشْرَ فَضِيلَةٍ ... طُوِيَتْ أَتَاحَ لَهَا لِسَانَ حَسُودِ
(قَوْلُهُ: سَيِّدٌ) أَصْلُهُ سَيْوِدٌ اجْتَمَعَتْ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسُبِقَتْ إحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتْ فِي الْيَاءِ، قِيلَ إنَّهُ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا قَالُوا لَهُ يَا سَيِّدَنَا، قَالَ: إنَّمَا السَّيِّدُ اللَّهُ» وَفِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ» وَقَالَ تَعَالَى - {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} آل عمران: ٣٩- وَقِيلَ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ تَعَالَى وَعُزِيَ إلَى مَالِكٍ؛ وَقِيلَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ تَعَالَى مُعَرَّفًا وَعَلَى غَيْرِهِ مُنَكَّرًا. وَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ مُطْلَقًا، وَهُوَ فِي حَقِّهِ تَعَالَى بِمَعْنَى الْعَظِيمِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ، وَفِي غَيْرِهِ بِمَعْنَى الشَّرِيفِ الْفَاضِلِ الرَّئِيسِ وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ: بِدُونِ) أَيْ بِغَيْرِ، وَهُوَ أَحَدُ إطْلَاقَاتٍ لَهَا، وَتَأْتِي بِمَعْنَى الْمَكَانِ الْأَدْنَى وَهُوَ الْأَصْلُ فِيهَا ط (قَوْلُهُ: وَدُودٍ) هُوَ كَثِيرُ الْحُبِّ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: وَحَسُودٍ يَقْدَحُ) أَيْ يَطْعَنُ، وَلَا يَخْفَى مَا بَيْنَ وَدُودٍ وَحَسُودٍ مِنْ الطِّبَاقِ، وَبَيْنَ يَمْدَحُ وَيَقْدَحُ مِنْ الْجِنَاسِ اللَّاحِقِ وَلُزُومِ مَا لَا يَلْزَمُ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّرْصِيعِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَنْ زَرَعَ) تَعْلِيلٌ لِمَا اسْتَلْزَمَهُ الْكَلَامُ السَّابِقُ، لِأَنَّ قَدْحَ الْحَسُودِ إذَا كَانَ سَبَبًا فِي زِيَادَةِ الْمَحْسُودِ الْمُوجِبَةِ لِكَمَدِهِ كَانَ زَرْعُهُ الْحَسَدَ مُنْتِجًا لَهُ الْمِحَنَ وَالْبَلَايَا. وَالْإِحَنَ: جَمْعُ إحْنَةٍ بِالْكَسْرِ فِيهِمَا، وَهِيَ الْحِقْدُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. اهـ. ح، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ سَابِقًا أَلَا وَإِنَّ الْحَسَدَ حَسَكٌ، مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ هَلَكَ، فَالْمَحْصُودُ الْهَلَاكُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ التَّعَلُّقِ ط وَتَشْبِيهُ الْحِقْدِ بِمَا يُزْرَعُ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ وَإِثْبَاتُ الزَّرْعِ تَخْيِيلٌ، وَذِكْرُ الْحَصْدِ تَرْشِيحٌ (قَوْلُهُ: فَاللَّئِيمُ يَفْضَحُ) مِنْ اللُّؤْمِ بِالضَّمِّ ضِدُّ الْكَرَمِ، يُقَالُ لَؤُمَ كَكَرُمَ لُؤْمًا فَهُوَ لَئِيمٌ جَمْعُهُ لِئَامٌ وَلُؤَمَاءُ، وَيُقَالُ فَضَحَهُ كَمَنَعَهُ: كَشَفَ مَسَاوِيهِ، وَالْإِصْلَاحُ ضِدُّ الْإِفْسَادِ قَامُوسٌ، وَهَذَا مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ إذْ لَا يَسُودُ سَيِّدٌ إلَخْ؛ فَاللَّئِيمُ هُوَ الْحَسُودُ وَالْكَرِيمُ هُوَ الْوَدُودُ، وَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ أَوْ بِقَوْلِهِ وَمَأْمُولِي مِنْ النَّاظِرِ فِيهِ إلَخْ، وَلَوْ قَالَ وَالْكَرِيمُ يَصْفَحُ أَوْ يَسْمَحُ لَكَانَ أَوْضَحَ
(قَوْلُهُ: لَكِنْ يَا أَخِي إلَخْ) لَمَّا كَانَ الْإِذْنُ بِالْإِصْلَاحِ مُطْلَقًا اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَهُوَ ظَرْفٌ لِيُصْلَحَ كَمَا أَفَادَهُ ح: أَيْ يُصْلِحُ بَعْدَ