وَالطَّالِبِ الْغَالِبِ (وَالْحَقِّ) مُعَرَّفًا لَا مُنَكَّرًا كَمَا سَيَجِيءُ. وَفِي الْمُجْتَبَى: لَوْ نَوَى بِغَيْرِ اللَّهِ غَيْرَ الْيَمِينِ دُيِّنَ (أَوْ بِصِفَةٍ) يُحْلَفُ بِهَا عُرْفًا (مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى)
ــ
رد المحتار
أَقُولُ: هَذَا غَفْلَةٌ عَنْ تَحْرِيرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ، فَإِنَّ الَّذِي جَوَّزَهُ الْعَامَّةُ مَا كَانَ تَعْلِيقُ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ لَا مَا كَانَ فِيهِ حَرْفُ الْقَسَمِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْحَلِفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ وَلَا عَلَى الْعُرْفِ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ: وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، مِنْ أَنَّهُ: لَوْ قَالَ وَالرَّحْمَنِ لَا أَفْعَلُ إنْ أَرَادَ بِهِ السُّورَةَ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ وَالْقُرْآنِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ اللَّهَ تَعَالَى يَكُونُ يَمِينًا. اهـ. لِأَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الرَّحْمَنِ قَوْلُ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ (قَوْلُهُ وَالطَّالِبِ الْغَالِبِ) فَهُوَ يَمِينٌ وَهُوَ مُتَعَارَفُ أَهْلِ بَغْدَادَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ يَلْزَمُ إمَّا اعْتِبَارُ الْعُرْفِ فِيمَا لَمْ يُسْمَعْ مِنْ الْأَسْمَاءِ فَإِنَّ الطَّالِبَ لَمْ يُسْمَعْ بِخُصُوصِهِ بَلْ الْغَالِبُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} يوسف: ٢١- وَإِمَّا كَوْنُهُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الْمُفَصَّلِ فِي الْأَسْمَاءِ اهـ أَيْ مِنْ أَنَّهُ تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ وَالْعُرْفُ فِي الِاسْمِ الْمُشْتَرَكِ كَمَا مَرَّ. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ بَعْدَ مَا حُكِمَ بِكَوْنِهِ يَمِينًا أَخْبَرَ بِأَنَّ أَهْلَ بَغْدَادَ تَعَارَفُوا الْحَلِفَ بِهَا. اهـ.
قُلْت: يُنَافِيهِ قَوْلُهُ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ فَهُوَ يَمِينٌ لِتَعَارُفِ أَهْلِ بَغْدَادَ، حَيْثُ جَعَلَ التَّعَارُفَ عِلَّةَ كَوْنِهِ يَمِينًا فَلَا مَحِيصَ عَمَّا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ. وَأَيْضًا عَدَمُ ثُبُوتِ كَوْنِ الطَّالِبِ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى لَا بُدَّ لَهُ مِنْ قَرِينَةٍ تُعَيِّنُ كَوْنَ الْمُرَادِ بِهِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ الْعُرْفُ مَعَ اقْتِرَانه بِالْغَالِبِ الْمَسْمُوعِ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ تَعَالَى، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مَسْمُوعًا لَكِنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ مُقْسَمًا بِهِ أَصَالَةً بَلْ جُعِلَ صِفَةً لَهُ فَلَا يَكُونُ قَسَمًا بِدُونِهِ كَمَا فِي الْأَوَّلِ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ فَإِنَّهُ لَا يُقْسَمُ بِالْأَوَّلِ بِدُونِ هَذِهِ الصِّفَةِ، وَمِثْلُهُ الْآخِرُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ فَافْهَمْ. وَمَا وَقَعَ فِي الْبَحْرِ مِنْ عَطْفِ الْغَالِبِ بِالْوَاوِ فَهُوَ خِلَافُ الْمَوْجُودِ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ بَعْدَ وَرَقَةٍ، وَسَيَجِيءُ تَفْصِيلُهُ وَبَيَانُهُ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُجْتَبَى إلَخْ) الْمُرَادُ بِهِ الْأَسْمَاءُ الْمُشْتَرَكَةُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَقَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الزَّيْلَعِيِّ مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ وَظَاهِرُهُ أَنْ يُصَدَّقَ قَضَاءً. وَعِبَارَةُ الْمُجْتَبَى: وَالْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا قَصَدَ بِهَا غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ حَالِفًا بِاَللَّهِ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ فِي أَمْرٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ تَعَالَى اهـ وَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ كَمَا مَرَّ.
تَنْبِيهٌ اعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ التَّعْبِيرَ بِالْقَضَاءِ وَالدِّيَانَةِ بِمَا فِي الْبَحْرِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ زَادَ ثَوْبًا إلَخْ مِنْ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الدِّيَانَةِ وَالْقَضَاءِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَا فِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقُّهُ تَعَالَى لَيْسَ لِلْعَبْدِ فِيهَا مَدْخَلٌ حَتَّى يُرْفَعَ الْحَالِفُ إلَى الْقَاضِي. اهـ.
قُلْت: قَدْ يَظْهَرُ فِيمَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقًا أَوْ عِتْقًا عَلَى حَلِفِهِ ثُمَّ حَلَفَ بِذَلِكَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ بِصِفَةٍ إلَخْ) الْمُرَادُ بِهَا اسْمُ الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَتَضَمَّنُ ذَاتًا وَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا بِهُوَ هُوَ كَالْعِزَّةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ، بِخِلَافِ نَحْوِ الْعَظِيمِ، وَتَتَقَيَّدُ بِكَوْنِ الْحَلِفِ بِهَا مُتَعَارَفًا سَوَاءٌ كَانَتْ صِفَةَ ذَاتٍ أَوْ فِعْلٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ. وَلِمَشَايِخِ الْعِرَاقِ تَفْصِيلٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْحَلِفَ بِصِفَاتِ الذَّاتِ يَمِينٌ لَا بِصِفَاتِ الْفِعْلِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ عِنْدَهُمْ لِلْعُرْفِ وَعَدَمِهِ فَتْحٌ مُلَخَّصًا، وَمِثْلُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ بِزِيَادَةِ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَصَحُّ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى كُلَّهَا صِفَاتُ الذَّاتِ وَكُلُّهَا قَدِيمَةٌ وَالْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ، مَا يَتَعَارَفُ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ يَكُونُ يَمِينًا وَمَا لَا فَلَا اهـ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ كُلُّهَا صِفَاتُ الذَّاتِ أَنَّ الذَّاتَ الْكَرِيمَةَ مَوْصُوفَةٌ بِهَا فَيُزَادُ بِهَا الذَّاتُ، سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّا يُسَمَّى صِفَةَ ذَاتٍ أَوْ صِفَةَ فِعْلٍ فَيَكُونُ الْحَلِفُ بِهَا حَلِفًا بِالذَّاتِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ نَفْيُ صِفَةِ الْفِعْلِ تَأَمَّلْ.