لِإِفَادَتِهَا إلْصَاقَ الْخَبَرِ بِنَفْسِ الْقُدُومِ كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِي بَحْثِ الْبَاءِ مِنْ الْأُصُولِ، وَكَذَا إنْ كَتَبْت بِقُدُومِ فُلَانٍ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْبَابِ الْآتِي.
وَسَأَلَ الرَّشِيدُ مُحَمَّدًا عَمَّنْ حَلَفَ لَا يَكْتُبُ إلَى فُلَانٍ فَأَوْمَأَ بِالْكِتَابَةِ هَلْ يَحْنَثُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنْ كَانَ مِثْلَك.
(لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرًا فَمِنْ حِينِ حَلِفِهِ) وَلَوْ عَرَفَهُ فَعَلَى بَاقِيهِ (بِخِلَافِ لَأَعْتَكِفَنَّ) أَوْ لَأَصُومَنَّ (شَهْرًا فَإِنَّ التَّعْيِينَ إلَيْهِ) وَالْفَرْقُ أَنَّ ذِكْرَ الْوَقْتِ فِيمَا يَتَنَاوَلُ الْأَبَدَ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ وَفِيمَا لَا يَتَنَاوَلُ لِلْمَدِّ إلَيْهِ زَيْلَعِيٌّ.
ــ
رد المحتار
تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لَوْ قَالَ: إنْ أَخْبَرْتنِي أَنَّ زَيْدًا قَدِمَ فَكَذَا حَنِثَ بِالْكَذِبِ كَذَا إنْ كَتَبْت إلَيَّ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ وَفِي بَشَّرْتنِي أَوْ أَعْلَمْتنِي يُشْتَرَطُ الصِّدْقُ وَجَهْلُ الْحَالِفِ لِأَنَّ الرُّكْنَ فِي الْأُولَيَيْنِ الدَّالُّ عَلَى الْمُخْبِرِ وَجَمْعُ الْحُرُوفِ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ إفَادَةُ الْبِشْرِ وَالْعِلْمِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بِقُدُومِهِ لِأَنَّ بَاءَ الْإِلْصَاقِ تَقْتَضِي الْوُجُودَ وَهُوَ بِالصِّدْقِ وَيَحْنَثُ بِالْإِيمَاءِ فِي أَعْلَمْتنِي وَبِالْكِتَابِ وَالرَّسُولِ فِي الْكُلِّ. اهـ. (قَوْلُهُ لِإِفَادَتِهَا) أَيْ الْبَاءِ إلْصَاقَ الْخَبَرِ بِنَفْسِ الْقُدُومِ أَيْ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ أَخْبَرْتنِي خَبَرًا مُلْصَقًا بِقُدُومِ زَيْدٍ فَاقْتَضَى وُجُودَ الْقُدُومِ لَا مَحَالَةَ قَالَ ط وَفِيهِ أَنَّ الْبَاءَ فِي إنْ أَخْبَرْتنِي أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ مُقَدَّرَةٌ وَمُقْتَضَاهُ قَصْرُهُ عَلَى الصِّدْقِ اهـ.
قُلْت: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ عَلَى الْمَصْدَرِ الصَّرِيحِ وَفَرْقًا بَيْنَ الصَّرِيحِ وَالْمُؤَوَّلِ عَلَى أَنَّ تَقْدِيرَهَا لِضَرُورَةِ التَّعْدِيَةِ فَلَا تُفِيدُ مَا تُفِيدُهُ مَلْفُوظَةً فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَكَذَا إنْ كَتَبْت بِقُدُومِ فُلَانٍ) أَيْ أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي اقْتِصَارِهِ عَلَى الصِّدْقِ، بِخِلَافِ إنْ كَتَبْت إلَيَّ أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ فَعَبْدِي حُرٌّ يَحْنَثُ بِالْخَبَرِ الْكَاذِبِ، حَتَّى لَوْ كَتَبَ إلَيْهِ قَبْلَ الْقُدُومِ أَنَّ زَيْدًا قَدِمَ حَنِثَ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ الْكِتَابُ إلَى الْحَالِفِ كَذَا فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ، وَمُفَادُهُ الْحِنْثُ بِمُجَرَّدِ الْكِتَابَةِ، وَمُفَادُ الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ اشْتِرَاطُ الْوُصُولِ وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ تَعْلِيلُ التَّلْخِيصِ الْمَارِّ بِأَنَّ الرُّكْنَ فِي الْكِتَابَةِ جَمْعُ الْحُرُوفِ أَيْ تَأْلِيفُهَا بِالْقَلَمِ وَقَدْ وُجِدَ (قَوْلُهُ فَقَالَ نَعَمْ إلَخْ) قَالَ السَّرَخْسِيُّ هَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ السُّلْطَانَ لَا يَكْتُبُ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَأْمُرُ بِهِ، وَمِنْ عَادَتِهِمْ الْأَمْرُ بِالْإِيمَاءِ وَالْإِشَارَةِ فَتْحٌ.
مَطْلَبٌ فِي حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرًا فَهُوَ مِنْ حِينِ حَلِفِهِ
(قَوْلُهُ فَمِنْ حِينِ حَلِفِهِ) أَيْ يَقَعُ عَلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ حِينِ حَلَفَ لِأَنَّ دَلَالَةَ حَالِهِ وَهِيَ غَيْظُهُ تُوجِبُ ذَلِكَ كَمَا إذَا آجَرَهُ شَهْرًا لِأَنَّ الْعُقُودَ تُرَادُ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ الْقَائِمَةِ بِخِلَافِ لَأَصُومَنَّ شَهْرًا فَإِنَّهُ نَكِرَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ تُوجِبُ شَهْرًا شَائِعًا وَلَا مُوجِبَ لِصَرْفِهِ إلَى الْحَالِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَرَفَهُ) كَقَوْلِهِ: لَا أُكَلِّمُهُ الشَّهْرَ يَقَعُ عَلَى بَاقِيهِ وَكَذَا السَّنَةُ وَالْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِاللَّيْلِ لَا يُكَلِّمُهُ يَوْمًا حَنِثَ بِكَلَامِهِ فِي بَقِيَّةِ اللَّيْلِ وَفِي الْغَدِ لِأَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلْإِخْرَاجِ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ بِالنَّهَارِ لَا يُكَلِّمُهُ لَيْلَةً حَنِثَ بِكَلَامِهِ مِنْ حِينِ حَلَفَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَلَوْ قَالَ فِي النَّهَارِ: لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا فَهُوَ مِنْ سَاعَةِ حَلِفِهِ مَعَ اللَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ إلَى مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ مِنْ الْغَدِ لِأَنَّ الْيَوْمَ مُنَكَّرٌ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِيفَائِهِ وَلَا يُمْكِنُ إلَّا بِإِتْمَامِهِ مِنْ الْغَدِ فَلَا يَتْبَعُهُ اللَّيْلُ، وَكَذَا لَا يُكَلِّمُهُ لَيْلَةً فَهُوَ مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ إلَى مِثْلِهَا مِنْ اللَّيْلَةِ الْآتِيَةِ مَعَ النَّهَارِ الَّذِي بَيْنَهُمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ وَفِيهِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ لَا أُكَلِّمُك الْيَوْمَ وَلَا غَدًا وَلَا بَعْدَ غَدٍ فَلَهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ لَيْلًا لِأَنَّهَا أَيْمَانٌ ثَلَاثَةٌ، وَلَوْ لَمْ يُكَرِّرْ النَّفْيَ فَهِيَ وَاحِدَةٌ فَيَدْخُلُ اللَّيْلُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (قَوْلُهُ فِيمَا يَتَنَاوَلُ الْأَبَدَ إلَخْ) مِثْلُ لَا أُكَلِّمُهُ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْرَ تَتَأَبَّدُ الْيَمِينُ فَذَكَرَ الشَّهْرَ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ فَبَقِيَ مَا يَلِي يَمِينَهُ دَاخِلًا بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ وَفِيمَا لَا يَتَنَاوَلُهُ) مِثْلُ لَأَصُومَنَّ أَوْ لَأَعْتَكِفَنَّ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْرَ لَا تَتَأَبَّدُ الْيَمِينُ فَإِنَّ ذِكْرَهُ لِتَقْدِيرِ الصَّوْمِ بِهِ وَأَنَّهُ مُنْكَرٌ فَالتَّعَيُّنُ إلَيْهِ بِخِلَافِ إنْ تَرَكْت الصَّوْمَ شَهْرًا فَإِنَّ الشَّهْرَ مِنْ حِينِ حَلَفَ لِأَنَّ تَرْكَهُ مُطْلَقًا يَتَنَاوَلُ الْأَبَدَ فَذِكْرُ الْوَقْتِ