مَا لَمْ يَنْوِ الِاسْتِحْلَافَ.
قَالَ لِغَيْرِهِ: أَقْسَمْت عَلَيْك بِاَللَّهِ أَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَيْك لَتَفْعَلَنَّ كَذَا فَالْحَالِفُ هُوَ الْمُبْتَدِئُ مَا لَمْ يَنْوِ الِاسْتِفْهَامَ، وَلَوْ قَالَ عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَقَالَ: نَعَمْ فَالْحَالِفُ الْمُجِيبُ.
لَا يَدْخُلُ فُلَانٌ دَارِهِ فَيَمِينُهُ عَلَى النَّهْيِ إنْ لَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهُ وَإِلَّا فَعَلَى النَّهْيِ وَالْمَنْعِ جَمِيعًا.
ــ
رد المحتار
مَطْلَبُ قَالَ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا قَالَ نَعَمْ
(قَوْلُهُ مَا لَمْ يَنْوِ الِاسْتِحْلَافَ) فَإِنْ نَوَى الِاسْتِحْلَافَ فَلَا شَيْءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَانِيَّةٌ وَفَتْحٌ أَيْ لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ لَمْ يُجِبْهُ بِقَوْلِهِ نَعَمْ حَتَّى يَصِيرَ حَالِفًا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا فَقَالَ الْآخَرُ نَعَمْ، فَهُوَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَنْوِيَ كُلٌّ مِنْ الْمُبْتَدِئِ وَالْمُجِيبِ الْحَلِفَ عَلَى نَفْسِهِ فَهُمَا حَالِفَانِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ قَوْلَهُ نَعَمْ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا قَبْلَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ حَنِثَا جَمِيعًا.
الثَّانِي: أَنْ يُرِيدَ الْمُبْتَدِئُ الِاسْتِحْلَافَ وَالْمُجِيبُ الْيَمِينَ عَلَى نَفْسِهِ فَالْحَالِفُ هُوَ الْمُجِيبُ فَقَطْ.
الثَّالِثُ: أَنْ لَا يُرِيدَ الْمُجِيبُ الْيَمِينَ بَلْ الْوَعْدَ فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا حَالِفًا.
الرَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا نِيَّةٌ فَالْحَالِفُ هُوَ الْمُبْتَدِئُ فَقَطْ.
الْخَامِسُ: أَنْ يُرِيدَ الْمُبْتَدِئُ الِاسْتِحْلَافَ وَالْمُجِيبُ الْحَلِفَ فَالْمُجِيبُ حَالِفٌ لَا غَيْرُهُ مُلَخَّصًا.
قُلْت: هَذَا الْأَخِيرُ هُوَ عَيْنُ الثَّانِي فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَالْحَالِفُ هُوَ الْمُبْتَدِئُ) وَكَذَا فِيمَا لَوْ قَالَ أَحْلِفُ أَوْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ قَالَ عَلَيْك أَوْ لَا فَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُجِيبِ فِي الثَّلَاثَةِ وَإِنْ نَوَيَا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ هُوَ الْمُجِيبَ خَانِيَّةٌ.
قُلْت: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ أَسْنَدَ فِعْلَ الْقَسَمِ إلَى نَفْسِهِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَنْوِ الِاسْتِفْهَامَ) أَيْ بِأَنْ تَكُونَ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ مُقَدَّرَةً فَيَصِيرُ الْمَعْنَى هَلْ أَحْلِفُ أَمْ لَا وَهَذَا يَصْلُحُ حِيلَةً إذَا أَرَادَ أَنْ لَا يَحْنَثَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَالْحَالِفُ الْمُجِيبُ) وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُبْتَدِئِ وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ خَانِيَّةٌ وَفَتْحٌ أَيْ لِإِسْنَادِهِ الْحَلِفَ إلَى الْمُخَاطَبِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ غَيْرَهُ.
مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ فُلَانٌ دَارِهِ
(قَوْلُهُ لَا يَدْخُلُ فُلَانٌ دَارِهِ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَهَذَا رَأَيْته فِيهَا لَكِنْ بِلَفْظِ الدَّارِ مَعْرِفَةً، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ فُلَانٌ ظَالِمًا لَا يُمْكِنُ الْحَالِفَ أَنْ يَمْنَعَهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَةٍ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا، حَلَفَ لَا يَدَعُ فُلَانًا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ، فَلَوْ الدَّارُ مِلْكَ الْحَالِفِ فَشَرْطُ الْبِرِّ مَنْعُهُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ بِقَدْرِ مَا يُطِيقُ، فَلَوْ مَنَعَهُ بِالْقَوْلِ دُونَ الْفِعْلِ حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ فَمَنَعَهُ بِالْقَوْلِ دُونَ الْفِعْلِ لَا يَحْنَثُ بِالدُّخُولِ. وَفِي الْقُنْيَةِ عَنْ الْوَبَرِيِّ: حَلَفَ لِيُخْرِجَنَّ سَاكِنَ دَارِهِ الْيَوْمَ، وَالسَّاكِنُ ظَالِمٌ غَالِبٌ يَتَكَلَّفُ فِي إخْرَاجِهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَالْيَمِينُ عَلَى التَّلَفُّظِ بِاللِّسَانِ. اهـ.
قَالَ: وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ مَا مَرَّ مِنْ حِنْثِ الْمَالِكِ بِالْمَنْعِ بِالْقَوْلِ فَقَطْ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا قَدَرَ عَلَى مَنْعِهِ بِالْفِعْلِ وَإِلَّا فَيَكْفِيهِ الْقَوْلُ، وَيُفِيدُهُ قَوْلُ الْخَانِيَّةِ بِقَدْرِ مَا يُطِيقُ.
هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الرِّسَالَةِ، وَقَدْ لَخَصَّهَا السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ تَلْخِيصًا مُخِلًّا، وَنَقَلَهُ عَنْهُ ط فِي الْبَابِ السَّابِقِ وَأَنَّهُ أَفْتَى بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى أُخْتِهِ أَنْ لَا تَتَكَلَّمَ بِأَنَّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ