(بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ) الْمُحْصَنِ لِأَنَّهُ حَقُّهُ (وَلَوْ) الْمَقْذُوفُ (غَائِبًا) عَنْ مَجْلِسِ الْقَاذِفِ (حَالَ الْقَذْفِ) وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ نَهْرٌ، بَلْ وَإِنْ أَمَرَهُ الْمَقْذُوفُ بِذَلِكَ شَرْحُ تَكْمِلَةٍ
(وَيُنْزَعُ الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ فَقَطْ) إظْهَارًا لِلتَّخْفِيفِ بِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ، بِخِلَافِ حَدِّ شُرْبٍ وَزِنًا
(لَا) يُحَدُّ (بِلَسْتَ بِابْنِ فُلَانٍ جَدِّهِ) لِصِدْقِهِ
ــ
رد المحتار
بَلْ أَطْلَقَ فِيهَا تَبَعًا لِظَاهِرِ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ، لَكِنْ أَوَّلَهَا الشُّرَّاحُ فَأَجْرُوا التَّفْصِيلَ فِي الْكُلِّ.
وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ، وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ الْمُحْصَنِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُحْصَنُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ: وَإِلَّا فَاشْتِرَاطُ الْإِحْصَانِ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، فَيَكُونُ إشَارَةً إلَى مَا بَحَثَهُ فِي الْقُنْيَةِ حَيْثُ نَقَلَ أَنَّهُ إذَا كَانَ غَيْرَ عَفِيفٍ فِي السِّرِّ لَهُ مُطَالَبَةُ الْقَاذِفِ دِيَانَةً، ثُمَّ قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ زَانِيًا لَمْ يَكُنْ قَذْفُهُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ، وَأَيَّدَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ رَفْعَ الْعَارِ مُجَوَّزٌ لَا مُلْزَمٌ وَإِلَّا لَامْتَنَعَ عَفْوُهُ عَنْهُ وَأُجْبِرَ عَلَى الدَّعْوَى وَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ. اهـ. قُلْت: بَلْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَحَسُنَ أَنْ لَا يَرْفَعَ الْقَاذِفُ إلَى الْقَاضِي وَلَا يُطَالِبَهُ بِالْحَدِّ، وَحَسُنَ مِنْ الْإِمَامِ أَنْ يَقُولَ لَهُ قَبْلَ الثُّبُوتِ أَعْرِضْ عَنْهُ وَدَعْهُ. اهـ.
فَحَيْثُ كَانَ الطَّلَبُ غَيْرَ لَازِمٍ، بَلْ يَحْسُنُ تَرْكُهُ فَكَيْفَ يَحِلُّ طَلَبُهُ دِيَانَةً إذَا كَانَ الْقَاذِفُ صَادِقًا (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ) عِبَارَةُ النَّهْرِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّهُ مِنْ حَيْثُ دَفْعُ الْعَارِ عَنْهُ اهـ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الشَّرْعِ أَيْضًا، بَلْ هُوَ الْغَالِبُ فِيهِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ الْمَقْذُوفُ غَائِبًا إلَخْ) ذَكَرَ هَذَا التَّعْمِيمَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ الْمُضْمَرَاتِ وَاعْتَمَدَهُ فِي الدُّرَرِ وَقَالَ: وَلَا بُدَّ مِنْ حِفْظِهِ فَإِنَّهُ كَثِيرُ الْوُقُوعِ مِنَحٌ.
قُلْت: وَلَعَلَّهُ يُشِيرُ إلَى ضَعْفِ مَا فِي حَاوِي الزَّاهِدِيِّ: سَمِعَ مِنْ أُنَاسٍ كَثِيرَةٍ أَنَّ فُلَانًا يَزْنِي بِفُلَانَةَ فَتَكَلَّمَ مَا سَمِعَهُ مِنْهُمْ لِآخَرَ مَعَ غَيْبَةِ فُلَانٍ لَا يَجِبُ حَدُّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ غَيْبَةٌ لَا رَمْيٌ وَقَذْفٌ بِالزِّنَا؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ وَالْقَذْفَ بِهِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْخِطَابِ كَقَوْلِهِ يَا زَانِي أَوْ يَا زَانِيَةُ (قَوْلُهُ حَالَ الْقَذْفِ) احْتِرَازٌ عَنْ حَالِ الْحَدِّ، لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ: غَابَ الْمَقْذُوفُ بَعْدَمَا ضُرِبَ بَعْضَ الْحَدِّ لَمْ يَتِمَّ إلَّا وَهُوَ حَاضِرٌ لِاحْتِمَالِ الْعَفْوِ اهـ وَسَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ نَهْرٌ) لَمْ أَرَهُ فِي النَّهْرِ هُنَا وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ أَوَّلَ الْبَابِ عَنْ الْبُلْقِينِيِّ الشَّافِعِيُّ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَمَرَهُ الْمَقْذُوفُ بِذَلِكَ) أَيْ بِالْقَذْفِ؛ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ غَالِبٌ وَلِذَا لَمْ يَسْقُطْ بِالْعَفْوِ كَمَا يَأْتِي بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِآخَرَ اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ حَيْثُ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ وَيَصِحُّ عَفْوُهُ عَنْهُ
(قَوْلُهُ وَيُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ) ؛ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ وُصُولَ الْأَلَمِ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ ذُو بِطَانَةٍ غَيْرُ مَحْشُوٍّ لَا يُنْزَعُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فَوْقَ قَمِيصٍ نُزِعَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعَ الْقَمِيصِ كَالْحَشْوِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ حَدِّ شُرْبٍ وَزِنًا) فَإِنَّهُ فِيهِمَا يُجَرَّدُ مِنْ ثِيَابِهِ كَمَا مَرَّ
(قَوْلُهُ لِصِدْقِهِ) ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ نَفْيُ كَوْنِهِ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِ. وَاعْتَرَضَهُمْ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ فِي نَفْيِهِ عَنْ أَبِيهِ احْتِمَالَ هَذَا مَعَ احْتِمَالِ الْمَجَازِ وَهُوَ نَفْيُ الْمُشَابَهَةِ. وَقَدْ حَكَّمُوا حَالَةَ الْغَضَبِ فَجَعَلُوهَا قَرِينَةً عَلَى إرَادَةِ الْمَعْنَى الثَّانِي الْمَجَازِيِّ. وَنَفْيُهُ عَنْ جَدِّهِ لَهُ مَعْنًى مَجَازِيٌّ أَيْضًا وَهُوَ نَفْيُ الْمُشَابَهَةِ، وَمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ نَفْيُ كَوْنِهِ أَبًا أَعْلَى لَهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ أَبُوهُ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِ بَلْ زَنَتْ بِهِ جَدَّتُهُ، وَحَالَةُ الْغَضَبِ تُعَيِّنُ هَذَا الْأَخِيرَ، إذْ لَا مَعْنَى لِإِخْبَارِهِ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ بِأَنَّك لَمْ تُخْلَقْ مِنْ مَاءِ جَدِّك، وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا أَنْ يُوجَدَ إجْمَاعٌ فِيهِ عَلَى نَفْيِ التَّفْصِيلِ كَالْإِجْمَاعِ عَلَى ثُبُوتِهِ هُنَاكَ اهـ مُلَخَّصًا.
قُلْت: وَقَدْ يُجَابُ بِالْفَرْقِ، وَهُوَ أَنَّ نَفْيَهُ عَنْ أَبِيهِ قَذْفٌ صَرِيحٌ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ، وَحَالَةُ الْغَضَبِ تَنْفِي احْتِمَالَ الْمَجَازِ وَهُوَ الْمُعَاتَبَةُ بِنَفْيِ الْمُشَابَهَةِ فِي الْأَخْلَاقِ، فَقَدْ سَاعَدَتْ الْقَرِينَةُ الْحَقِيقَةَ، بِخِلَافِ نَفْيِهِ عَنْ جَدِّهِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ لَيْسَ قَذْفًا بَلْ هُوَ صِدْقٌ، لَكِنْ الْقَرِينَةُ وَهِيَ حَالَةُ الْغَضَبِ تَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الْقَذْفِ، فَيَلْزَمُ مِنْهُ الْعُدُولُ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ لِإِثْبَاتِ الْحَدِّ، وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يُحْتَاطُ فِي دَرْئِهِ لَا فِي إثْبَاتِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا مَانِعَ