فَالْأَحْسَنُ تَرْكُ دَجَاجَةٍ لِيَعُمَّ الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ قُهُسْتَانِيٌّ
(وَسِبَاعِ طَيْرٍ) لَمْ يَعْلَمْ رَبُّهَا طَهَارَةَ مِنْقَارِهَا (وَسَوَاكِنَ بُيُوتٍ) طَاهِرٌ لِلضَّرُورَةِ (مَكْرُوهٌ) تَنْزِيهًا فِي الْأَصَحِّ
ــ
رد المحتار
قُلْت: بَقِيَ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْإِبِلَ تَجْتَرُّ كَالْغَنَمِ وَجِرَّتُهَا نَجِسَةٌ كَسِرْقِينِهَا كَمَا سَيَأْتِي، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ سُؤْرُهَا مَكْرُوهًا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ جَلَّالَةً وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَإِنَّمَا الْمَفْهُومُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ لَمْ يَعْلَمْ رَبُّهَا طَهَارَةَ مِنْقَارِهَا) لِمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ هَذَا الطَّيْرُ لَا يَتَنَاوَلُ الْمَيْتَةَ مِثْلُ الْبَازِي الْأَهْلِيِّ وَنَحْوِهِ لَا يُكْرَهُ الْوُضُوءُ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ فِي الَّذِي يَتَنَاوَلُ الْمَيْتَةَ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا مِثْلُهُ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ وَسَوَاكِنَ بُيُوتٍ) أَيْ مِمَّا لَهُ دَمٌ سَائِلٌ كَالْفَأْرَةِ وَالْحَيَّةِ وَالْوَزَغَةِ، بِخِلَافِ مَا لَا دَمَ لَهُ كَالْخُنْفُسِ وَالصَّرْصَرِ وَالْعَقْرَبِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ كَمَا مَرَّ، وَتَمَامُهُ فِي الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ طَاهِرٌ لِلضَّرُورَةِ) بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْقِيَاسَ فِي الْهِرَّةِ نَجَاسَةُ سُؤْرِهَا؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلِطٌ بِلُعَابِهَا الْمُتَوَلِّدِ مِنْ لَحْمِهَا النَّجِسِ، لَكِنْ سَقَطَ حُكْمُ النَّجَاسَةِ اتِّفَاقًا بِعِلَّةِ الطَّوَافِ الْمَنْصُوصَةِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ، إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ " أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ؛ يَعْنِي أَنَّهَا تَدْخُلُ الْمَضَايِقَ وَلَازَمَهُ شِدَّةُ الْمُخَالَطَةِ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ صَوْنُ الْأَوَانِي مِنْهَا، وَفِي مَعْنَاهَا سَوَاكِنُ الْبُيُوتِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، فَسَقَطَ حُكْمُ النَّجَاسَةِ لِلضَّرُورَةِ وَبَقِيَتْ الْكَرَاهَةُ لِعَدَمِ تَحَامِيهَا النَّجَاسَةَ، وَأَمَّا الْمُخَلَّاةُ فَلُعَابُهَا طَاهِرٌ فَسُؤْرُهَا كَذَلِكَ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ كُرِهَ سُؤْرُهَا وَلَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَتِهِ لِلشَّكِّ، حَتَّى لَوْ عُلِمَتْ النَّجَاسَةُ فِي فَمِهَا تُنَجِّسُ، وَلَوْ عُلِمَتْ الطَّهَارَةُ انْتَفَتْ الْكَرَاهَةُ.
وَأَمَّا سِبَاعُ الطَّيْرِ فَالْقِيَاسُ نَجَاسَةُ سُؤْرِهَا كَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ بِجَامِعِ حُرْمَةِ لَحْمِهَا وَالِاسْتِحْسَانُ طَهَارَتُهُ؛ لِأَنَّهَا تَشْرَبُ بِمِنْقَارِهَا وَهُوَ عَظْمٌ طَاهِرٌ، بِخِلَافِ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ؛ لِأَنَّهَا تَشْرَبُ بِلِسَانِهَا الْمُبْتَلِّ بِلُعَابِهَا النَّجِسِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ تَأْكُلُ الْمَيْتَةَ غَالِبًا أَشْبَهَتْ الْمُخَلَّاةَ فَكُرِهَ سُؤْرُهَا، حَتَّى لَوْ عُلِمَ طَهَارَةُ مِنْقَارِهَا انْتَفَتْ الْكَرَاهَةُ هَكَذَا قَرَّرُوا، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ طَهَارَةَ السُّؤْرِ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ لَيْسَتْ لِلضَّرُورَةِ بَلْ عَلَى الْأَصْلِ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ مَكْرُوهٌ) لِجَوَازِ كَوْنِهَا أَكَلَتْ نَجَاسَةً قُبَيْلَ شُرْبِهَا.
وَأَفَادَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ لَوْ اُحْتُمِلَ تَطْهِيرُهَا فَمَهَا زَالَتْ الْكَرَاهَةُ حَيْثُ قَالَ: وَيُحْمَلُ إصْغَاؤُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِنَاءَ لِلْهِرَّةِ عَلَى زَوَالِ ذَلِكَ التَّوَهُّمِ، بِأَنْ كَانَتْ فِي مَرْأًى مِنْهُ فِي زَمَانٍ يُمْكِنُ فِيهِ غَسْلُهَا فَمَهَا بِلُعَابِهَا. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَيُمْكِنُ بِمُشَاهَدَةِ شُرْبِهَا مِنْ مَاءٍ كَثِيرٍ أَوْ مُشَاهَدَةِ قُدُومِهَا عَنْ غَيْبَةٍ يَجُوزُ مَعَهَا ذَلِكَ، فَيُعَارَضُ هَذَا التَّجْوِيزُ بِتَجْوِيزِ أَكْلِهَا نَجِسًا قُبَيْلَ شُرْبِهَا فَيَسْقُطُ فَتَبْقَى الطَّهَارَةُ دُونَ كَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ مَا جَاءَتْ إلَّا مِنْ ذَلِكَ التَّجْوِيزِ وَقَدْ سَقَطَ، وَعَلَى هَذَا لَا يَنْبَغِي إطْلَاقُ كَرَاهَةِ أَكْلِ فَضْلِهَا وَالصَّلَاةِ إذَا لَحِسَتْ عُضْوًا قَبْلَ غَسْلِهِ كَمَا أَطْلَقَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرُهُ، بَلْ يُقَيَّدُ بِثُبُوتِ ذَلِكَ التَّوَهُّمِ؛ أَمَّا لَوْ كَانَ زَائِلًا بِمَا قُلْنَا فَلَا. اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَشَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ، وَهُوَ خِلَافُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُنْيَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ تَنْزِيهًا) قَيَّدَ بِهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ التَّحْرِيمُ.
مَطْلَبٌ. الْكَرَاهَةُ حَيْثُ أُطْلِقَتْ فَالْمُرَادُ مِنْهَا التَّحْرِيمُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَكْرُوهَ إذَا أُطْلِقَ فِي كَلَامِهِمْ فَالْمُرَادُ مِنْهُ التَّحْرِيمُ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، فَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُصَفَّى: لَفْظُ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُرَادُ بِهَا التَّحْرِيمُ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: قُلْت لِأَبِي حَنِيفَةَ: إذَا قُلْت فِي شَيْءٍ أَكْرَهُهُ فَمَا رَأْيُك فِيهِ؟ قَالَ: التَّحْرِيمُ. اهـ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي سُؤْرِ الْهِرَّةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَمَّا سُؤْرُ الدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ فَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ خِلَافًا فِي الْمُرَادِ مِنْ الْكَرَاهَةِ، بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا