كِتَابُ الْجِهَادِ
ــ
رد المحتار
كَتَائِبِ الْجُيُوشِ بِآرَائِهِ السَّدِيدَةِ، وَرَفَعَ أَفْئِدَةَ الْأَكَاسِرَةِ الْقَيَاصِرَةِ بِقُوَّةِ بَطْشَتِهِ الشَّدِيدَةِ.
يَكَادُ سَنَا بَرْقِ طَلْعَتِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ، وَغُصْنُ رَأْفَتِهِ يَمِيسُ لِينًا كَمَيْسِ الْأَغْصَانِ ذَاتِ الْأَزْهَارِ، وَتَكَادُ صَوَاعِقُ سَطْوَتِهِ تُزِيحُ صُمَّ الْجِبَالِ، وَمَوَاكِبُ كَتَائِبِ حَوْزَتِهِ تُفْتِي عَدَدَ الرِّمَالِ، مَنْ أَنَامَ الْأَنَامَ فِي أَيَّامِهِ فِي ظِلِّ الْأَمَانِ، وَرَعَى الرَّعِيَّةَ فِي مَرَاعِي الرِّعَايَةِ وَالْإِحْسَانِ، وَأَنَارَ بِنَوَارِ رِيَاضِ أَمْنِهِ بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ فَضَاءَ فَضَاءَ صُدُورِهِمْ بِنُورِ الْيَقِينِ، وَأَزَاحَ غُيُومَ غُمُومِهِمْ بِرَدْعِ الْمُشْرِكِينَ، فَلَاحَ فَلَاحُ قُلُوبِهِمْ لِأَعْيُنِ النَّاظِرِينَ، رَاحَ وَرَاحُ غَفَلَاتِهِمْ بِإِيقَاظِ النَّائِمِينَ، فَصَاحَ فَصَاحُ أَلْسِنَتُهُمْ بِالدُّعَاءِ لَهُ كُلَّ حِينٍ:
خَلِيفَةٌ خَلَفَتْ أَنْوَارُ غُرَّتِهِ ... شَمْسَ الضُّحَى وَنَدَاهُ يُخْلِفُ الدِّيَمَا
سَالَتْ فَوَاضِلُهُ لِلْمُعْتَفِي نِعَمًا ... صَالَتْ نَوَاضِلُهُ لِلْمُعْتَدِي نِقَمَا
السُّلْطَانُ الْأَعْظَمُ، وَالْخَاقَانُ الْأَفْخَمُ، تَاجُ مُلُوكِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، ظِلُّ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ لِلْأُمَمِ، مَحْمُودُ الذَّاتِ، مَمْدُوحُ الصِّفَاتِ، لَا زَالَتْ دَعَائِمُ سَلْطَنَتِهِ قَائِمَةً، وَعُيُونُ الْحَوَادِثِ عَنْهَا نَائِمَةً، وَلَا بَرِحَتْ رِيَاضُ عِزَّتِهِ مُخْضَرَّةً بِدِيَمِ الدَّيْمُومَةِ وَالْأُبُودِ، وَرَيَاحِينُ ذُرِّيَّتِهِ رَيَّانَةً بِطَلَاوَةِ التَّأْبِيدِ وَالْخُلُودِ، وَلَا زَالَتْ أَعْيَانُ دَوْلَتِهِ مِنْ عُلَمَائِهِ وَقُضَاتِهِ وَوُزَرَائِهِ، يُزِيلُ نِبْرَاسُ آرَائِهِمْ دُجَى الْجَوْرِ بِسَنَاهُ وَسَنَائِهِ، وَلَا فَتِئَتْ نُجُومُ جُنُودِهِ السَّاطِعَةُ فِي أَفْلَاكِ سَمَائِهِ، شُهُبًا ثَوَاقِبَ عَلَى مَرَدَةِ أَعْدَائِهِ، آمِينَ آمِينَ آمِينَ.
وَهَذَا، وَقَدْ نُجِّزَ هَذَا السِّفْرُ الْمُسَفَّرُ، عَنْ رَوْضٍ أَرِيضٍ مُزْهِرٍ، مُقَابَلَةً وَتَصْحِيحًا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، سِوَى مَا شَذَّ بِعُرُوضِ سَهْوٍ أَوْ نِسْيَانٍ، لَا تَخْلُو عَنْهُ جِبِلَّةُ الْإِنْسَانِ، وَذَلِكَ بِرَسْمِ مَنْ أَمَرَ بِاسْتِكْتَابِهِ، رَغْبَةً فِي نَيْلِ رِضَا مَوْلَاهُ وَثَوَابِهِ الْإِمَامُ الْهُمَامُ، عَلِيُّ الْقَدْرِ وَالْمَقَامِ، مَنْ امْتَطَى الْجَوْزَاءَ بِزِمَامٍ وَصَالَ فِي مَوَاكِبِ الْعِزِّ وَحَامَ، وَاشْتَهَرَ اشْتِهَارَ الْبَدْرِ فِي الظَّلَامِ، قَاضِي قُضَاةِ الْإِسْلَامِ، مُنَفِّذِ الْقَضَايَا وَالْأَحْكَامِ بِالْإِتْقَانِ وَالْإِحْكَامِ، ذِي الْخَيْرَاتِ الْحَمِيدَةِ، وَالْمَآثِرِ الْفَرِيدَةِ الَّتِي لَا تُرَامُ، مَوْلَانَا عَبْدُ الْحَمِيدِ أَفَنْدِي كَجّه جى زَادَهْ الْقَاضِي سَابِقًا بِدِمَشْقَ الشَّامِ، دَامَ فِي عِزٍّ وَإِنْعَامٍ، وَمَجْدٍ وَاحْتِرَامٍ، بِجَاهِ مَنْ هُوَ لِلْأَنْبِيَاءِ خِتَامٌ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ السَّادَةِ الْكِرَامِ، عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ، فِي الْبَدْءِ وَالْخِتَامِ. وَلِكُلِّ الْمُسْلِمِينَ آمِينَ آمِينَ آمِينَ.
كِتَابُ الْجِهَادِ
ِ هَذَا الْكِتَابُ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالسِّيَرِ وَالْجِهَادِ وَالْمَغَازِي فَالسِّيَرُ جَمْعُ سِيرَةٍ وَهِيَ فِعْلَةٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ مِنْ السَّيْرِ، فَتَكُونُ لِبَيَانِ هَيْئَةِ السَّيْرِ، وَحَالَتِهِ إلَّا أَنَّهَا غَلَبَتْ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ عَلَى أُمُورِ الْمَغَازِي، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا كَالْمَنَاسِكِ عَلَى أُمُورِ الْحَجِّ وَقَالُوا السِّيَرُ الْكَبِيرُ، فَوَصَفُوهَا بِصِفَةِ الْمُذَكَّرِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْمُضَافِ الَّذِي هُوَ الْكِتَابُ كَقَوْلِهِمْ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَسِيَرُ الْكَبِيرِ خَطَأٌ كَجَامِعِ الصَّغِيرِ وَجَامِعِ الْكَبِيرِ بَحْرٌ.
مَطْلَبٌ فِي فَضْلِ الْجِهَادِ
قُلْت: وَالسِّيَرُ الْكَبِيرُ وَالسِّيَرُ الصَّغِيرُ كِتَابَانِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى صِيغَةِ جَمْعِ سِيرَةٍ لَا عَلَى صِيغَةِ الْمُفْرَدِ. هَذَا وَفَضْلُ الْجِهَادِ عَظِيمٌ، كَيْفَ وَحَاصِلُهُ بَذْلُ أَعَزِّ الْمَحْبُوبَاتِ وَهُوَ النَّفْسُ وَإِدْخَالُ أَعْظَمِ الْمَشَقَّاتِ عَلَيْهِ تَقَرُّبًا بِذَلِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَشَقُّ مِنْهُ قَصْرُ النَّفْسِ عَلَى الطَّاعَاتِ عَلَى الدَّوَامِ، وَمُجَانَبَةُ هَوَاهَا وَلِذَا «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -