(بِخِلَافِ الْفَقِيرِ إذَا أَيْسَرَ بَعْدَ الْوَضْعِ حَيْثُ تُوضَعُ عَلَيْهِ) لِأَنَّ سُقُوطَهَا لِعَجْزِهِ وَقَدْ زَالَ اخْتِيَارٌ
(وَهِيَ) أَيْ الْجِزْيَةُ لَيْسَتْ رِضًا مِنَّا بِكُفْرِهِمْ كَمَا طَعَنَ الْمَلَاحِدَةُ بَلْ إنَّمَا هِيَ (عُقُوبَةٌ) لَهُمْ عَلَى إقَامَتِهِمْ (عَلَى الْكُفْرِ) فَإِذَا جَازَ إمْهَالُهُمْ لِلِاسْتِدْعَاءِ إلَى الْإِيمَانِ بِدُونِهَا فَهِيَ أَوْلَى، وَقَالَ تَعَالَى - {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} التوبة: ٢٩- وَأَخَذَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ وَنَصَارَى نَجْرَانَ وَأَقَرَّهُمْ عَلَى دِينِهِمْ.
ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَتَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ) وَلَوْ بَعْدَ تَمَامِ السَّنَةِ، وَيَسْقُطُ الْمُعَجَّلُ لِسَنَةٍ لَا لِسَنَتَيْنِ، فَيُرَدُّ عَلَيْهِ سَنَةٌ خُلَاصَةٌ (وَالْمَوْتُ وَالتَّكْرَارُ) لِلتَّدَاخُلِ كَمَا سَيَجِيءُ (وَ) بِ (الْعَمَى وَالزَّمَانَةِ وَصَيْرُورَتِهِ) -
ــ
رد المحتار
الْوَضْعِ فَقَدْ مَضَى وَقْتُ الْوُجُوبِ، فَلَمْ يَكُونَا أَهْلًا لِلْوُجُوبِ وَالْوَالِجِيَّةُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْفَقِيرِ) أَيْ غَيْرِ الْمُعْتَمِلِ إذَا أَيْسَرَ بِالْعَمَلِ فَإِنَّهَا تُوضَعُ عَلَيْهِ ط (قَوْلُهُ لِأَنَّ سُقُوطَهَا لِعَجْزِهِ) لِأَنَّ الْفَقِيرَ أَهْلٌ لِوَضْعِ الْجِزْيَةِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ: أَيْ لِكَوْنِهِ حُرًّا مُكَلَّفًا لَكِنَّهُ مَعْذُورٌ بِالْفَقْرِ فَإِذَا زَالَ أُخِذَتْ مِنْهُ لَكِنْ إنْ بَقِيَ مِنْ الْحَوْلِ أَكْثَرُهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَا تَحْرِيرَهُ.
(قَوْلُهُ كَمَا طَعَنَ الْمَلَاحِدَةُ) أَيْ الطَّاعِنُونَ فِي الدِّينِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ لَحَدَ الرَّجُلُ فِي الدِّينِ لَحْدًا وَأَلْحَدَ إلْحَادًا طَعَنَ (قَوْلُهُ إنَّمَا هِيَ عُقُوبَةٌ لَهُمْ) وَلِأَنَّهَا دَعْوَةٌ إلَى الْإِسْلَامِ بِأَحْسَنِ الْجِهَاتِ، وَهُوَ أَنْ يَسْكُنَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَرَى مَحَاسِنَ الْإِسْلَامِ، فَيُسْلِمَ مَعَ دَفْعِ شَرِّهِ فِي الْحَالِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِذَا جَازَ إمْهَالُهُمْ) أَيْ تَأْخِيرُهُمْ بِلَا جِزْيَةٍ لِلِاسْتِدْعَاءِ إلَى الْإِيمَانِ أَيْ لِأَجْلِ دُعَائِهِمْ إلَيْهِ بِمُحَارَبَتِهِمْ وَقِتَالِهِمْ بِدُونِهَا فَهِيَ أَوْلَى أَيْ فَإِمْهَالُهُمْ لِلِاسْتِدْعَاءِ إلَى الْإِيمَانِ بِالْجِزْيَةِ أَوْلَى لِأَنَّ مُخَالَطَتَهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ وَرُؤْيَتَهُمْ حُسْنَ سِيرَتِهِمْ تَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ كَمَا عَلِمْت، فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِلَا قِتَالٍ فَيَكُونُ أَوْلَى، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْرِيرِ كَلَامِهِ وَقَدْ صَرَّحَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُ وَاحِدٍ بِلَا جِزْيَةٍ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا قَرَرْنَاهُ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَقَالَ تَعَالَى إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَى سَوْقِ الدَّلِيلِ النَّقْلِيِّ هُنَا لِأَنَّ الْمُلْحِدَ مُعْتَرِضٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ هَذَا الْحُكْمِ مِنْ أَصْلِهِ (قَوْلُهُ وَنَصَارَى نَجْرَانَ) بَلْدَةٌ مِنْ بِلَادِ هَمْدَانَ مِنْ الْيَمَنِ مِصْبَاحٌ، وَفِي الْفَتْحِ: رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: «صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ نَجْرَانَ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ النِّصْفُ فِي صَفَرٍ وَالنِّصْفُ فِي رَجَبٍ» .
(قَوْلُهُ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى كَوْنِهَا عُقُوبَةً عَلَى الْكُفْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَعْدَ تَمَامِ السَّنَةِ) يَجِبُ أَنْ تُحْمَلُ الْبَعْدِيَّةُ عَلَى الْمُقَارِنَةِ لِلتَّمَامِ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ التَّمَامِ بِمُدَّةٍ فَالسُّقُوطُ بِالتَّكْرَارِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ لَا بِالْإِسْلَامِ. اهـ. ح.
قُلْت: لَكِنْ تَحَقَّقَ التَّكْرَارُ بِدُخُولِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فِيهِ خِلَافٌ كَمَا تَعْرِفُهُ (قَوْلُهُ وَيَسْقُطُ الْمُعَجَّلُ) عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ يَسْقُطُ رَدُّهُ، فَالسُّقُوطُ هُنَا عَنْ الْإِمَامِ لَا عَنْهُ بِخِلَافِ الْوَاقِعِ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ سَنَةٌ) أَيْ لَوْ عَجَّلَ لِسَنَتَيْنِ لِأَنَّهُ أَدَّى خَرَاجَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، قَبْلَ الْوُجُوبِ، فَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَمَّا لَوْ عَجَّلَ لِسَنَةٍ فِي أَوَّلِهَا فَقَدْ أَدَّى خَرَاجَهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْجِزْيَةِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (قَوْلُهُ وَالْمَوْتِ) أَيْ وَلَوْ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَالتَّكْرَارِ) أَيْ بِدُخُولِ السَّنَةِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مُضِيِّهَا فِي الْأَصَحِّ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا وَسُقُوطُهَا بِالتَّكْرَارِ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا لَا تَسْقُطُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَبِالْعَمَى وَالزَّمَانَةِ إلَخْ) أَيْ لَوْ حَدَثَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَمْ يُؤْخَذْ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ أَيْ لَوْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَقْسَاطِ الْأَشْهُرِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَمْ يَدْفَعُ شَيْئًا لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ تَقْيِيدَ سُقُوطِ الْبَاقِي بِمَا إذَا دَامَتْ هَذِهِ الْأَعْذَارُ نِصْفَ سَنَةٍ فَأَكْثَرَ، وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَوَّلَ الْفَصْلِ عَنْ الْهِدَايَةِ فَافْهَمْ: هَذَا وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ فِي الْمُنْتَقَى: قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ أَصَابَتْهُ