مَعْزِيًّا لِلْبَلْخِيِّ مَا يُفِيدُ قَتْلَهُ بِلَا تَوْبَةٍ فَتَنَبَّهْ (فَإِنْ أَسْلَمَ) فِيهَا (وَإِلَّا قُتِلَ) لِحَدِيثِ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» (وَإِسْلَامُهُ أَنْ يَتَبَرَّأَ عَنْ الْأَدْيَانِ) سِوَى الْإِسْلَامِ (أَوْ عَمَّا انْتَقَلَ إلَيْهِ) بَعْدَ نُطْقِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ؛ وَلَوْ أَتَى بِهِمَا عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ لَمْ يَنْفَعْهُ مَا لَمْ يَتَبَرَّأْ بَزَّازِيَّةٌ
(وَكُرِهَ) تَنْزِيهًا لِمَا مَرَّ (قَتْلُهُ قَبْلَ الْعَرْضِ بِلَا ضَمَانٍ) لِأَنَّ الْكُفْرَ مُبِيحٌ لِلدَّمِ، قُيِّدَ بِإِسْلَامِ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّ الْكُفَّارَ أَصْنَافٌ خَمْسَةٌ: مَنْ يُنْكِرُ الصَّانِعَ كَالدَّهْرِيَّةِ، وَمَنْ يُنْكِرُ الْوَحْدَانِيَّةَ كَالثَّنَوِيَّةِ، وَمَنْ يُقِرُّ بِهِمَا لَكِنْ يُنْكِرُ بَعْثَةَ الرُّسُلِ كَالْفَلَاسِفَةِ، وَمَنْ يُنْكِرُ الْكُلَّ كَالْوَثَنِيَّةِ، وَمَنْ يُقِرُّ بِالْكُلِّ لَكِنْ يُنْكِرُ عُمُومَ رِسَالَةِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ــ
رد المحتار
فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِلَا تَوْبَةٍ) أَيْ بِلَا قَبُولِ تَوْبَةٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُقْتَلُ إنْ لَمْ يَثْبُتْ لِأَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِيهِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا قُتِلَ) أَيْ وَلَوْ عَبْدًا فَيُقْتَلُ وَإِنْ تَضَمَّنَ قَتْلُهُ إبْطَالَ حَقِّ الْمَوْلَى، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ فَتْحٌ. قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَأُطْلِقَ فَشَمَلَ الْإِمَامَ وَغَيْرَهُ، لَكِنْ إنْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ أَوْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ أَدَّبَهُ الْإِمَامُ. اهـ. وَسَيَأْتِي مَتْنًا وَشَرْحًا اسْتِثْنَاءُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ لَا يُقْتَلُونَ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ إلَخْ) رِوَايَةُ أَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِمَا زَيْلَعِيٌّ.
(قَوْلُهُ بَعْدَ نُطْقِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ) كَذَا قَيَّدَهُ فِي الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ، وَعَزَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَى الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ وَغَيْرِهِمَا وَقَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ لَكِنْ مُقْتَضَى مَا فِي الْفَتْحِ عَدَمُ اعْتِمَادِهِ، لِأَنَّهُ عَبَّرَ عَنْهُ بِقِيلَ وَكَأَنَّهُ تَابَعَ ظَاهِرَ الْمُتُونِ، وَهُوَ مُفَادُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْمَتْنِ مِنْ أَنَّ إنْكَارَهُ الرِّدَّةَ تَوْبَةٌ وَرُجُوعٌ. وَقَدْ يُوَفَّقُ بِحَمْلِ مَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُتُونِ عَلَى الْإِسْلَامِ الْمُنَجِّي فِي الدُّنْيَا عَنْ الْقَتْلِ. وَمَا فِي الشُّرُوحِ مِنْ اشْتِرَاطِ النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ أَيْضًا مَحْمُولٌ عَلَى الْإِسْلَامِ الْحَقِيقِيِّ النَّافِعِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَأَمَّلْ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ مُسْتَحَبٌّ (قَوْلُهُ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ) أَيْ بِدُونِ التَّبَرِّي. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَفَادَ بِاشْتِرَاطِ التَّبَرِّي أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ لَمْ يَنْفَعْهُ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَمَّا قَالَ إذْ لَا يَرْتَفِعُ بِهِمَا كُفْرُهُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. اهـ. قُلْت: وَظَاهِرُهُ اشْتِرَاطُ التَّبَرِّي وَإِنْ لَمْ يَنْتَحِلْ دِينًا آخَرَ بِأَنْ كَانَ كُفْرُهُ بِمُجَرَّدِ كَلِمَةِ رِدَّةٍ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ، وَأَنَّ اشْتِرَاطَ التَّبَرِّي فِيمَنْ انْتَحَلَ دِينًا آخَرَ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الدُّنْيَا عَلَيْهِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِأَحْكَامِ الْآخِرَةِ فَيَكْفِيهِ التَّلَفُّظُ بِالشَّهَادَتَيْنِ مُخْلِصًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نَذْكُرُهُ فِي إسْلَامِ الْعِيسَوِيَّةِ
. (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْعَرْضَ مُسْتَحَبٌّ وَيُكْرَهُ تَحْرِيمًا عِنْدَ مَنْ أَوْجَبَهُ أَفَادَهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى ط (قَوْلُهُ قَيَّدَ بِإِسْلَامِ الْمُرْتَدِّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَإِسْلَامُهُ. مَطْلَبٌ فِي أَنَّ الْكُفَّارَ خَمْسَةُ أَصْنَافٍ، وَمَا يُشْتَرَطُ فِي إسْلَامِهِمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْكُفَّارَ) أَيْ بِكُفْرٍ أَصْلِيٍّ وَالْمُرْتَدُّ كُفْرُهُ عَارِضٌ (قَوْلُهُ كَالدُّهْرِيَّةِ) بِضَمِّ الدَّالِ نِسْبَةً إلَى الدَّهْرِ بِفَتْحِهَا، سُمُّوا بِذَلِكَ لِقَوْلِهِمْ - {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ} الجاثية: ٢٤- (قَوْلُهُ كَالثَّنَوِيَّةِ) وَهُمْ الْمَجُوسُ الْقَائِلُونَ بِإِلَهَيْنِ أَوْ كَالْمَجُوسِ كَمَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُمْ غَيْرُهُمْ، وَهُوَ الَّذِي حَقَّقَهُ ابْنُ كَمَالِ بَاشَا نَقْلًا عَنْ الْآمِدِيِّ مَعَ مُشَارَكَةِ الْكُلِّ فِي اعْتِقَادِ أَنَّ أَصْلَ الْعَالَمِ النُّورُ وَالظُّلْمَةُ: أَيْ النُّورُ الْمُسَمَّى يَزْدَانُ، وَشَأْنُهُ خَلْقُ الْخَيْرِ. وَالظُّلْمَةُ الْمُسَمَّاةُ أَهْرَمَنْ وَشَأْنُهَا خَلْقُ الشَّرِّ (قَوْلُهُ كَالْفَلَاسِفَةِ) أَيْ قَوْمٍ مِنْهُمْ كَمَا فِي النَّهْرِ، وَإِلَّا فَجُمْهُورُ الْفَلَاسِفَةِ يُثْبِتُونَ الرُّسُلَ عَلَى أَبْلَغِ وَجْهٍ لِقَوْلِهِمْ بِالْإِيجَابِ اهـ ح أَيْ بِاللُّزُومِ وَالتَّوْلِيدِ لَا بِالِاخْتِيَارِ لِإِنْكَارِهِمْ كَوْنَهُ تَعَالَى مُخْتَارًا، وَيُنْكِرُونَ كَوْنَهَا بِنُزُولِ الْمَلَكِ مِنْ السَّمَاءِ وَكَثِيرًا مِمَّا عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ مَجِيءُ الْأَنْبِيَاءِ كَحَشْرِ الْأَجْسَادِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ وَإِنْ أَثْبَتُوا الرُّسُلَ لَكِنْ لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْإِسْلَامِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُسَايَرَةِ فَصَارَ إثْبَاتُهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ، وَعَلَيْهِ فَيَصِحُّ إطْلَاقُ الشَّارِحِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَالْوَثَنِيَّةِ) فِيهِ أَنَّ الْوَثَنِيَّةَ لَا يُنْكِرُونَ الصَّانِعَ تَعَالَى كَمَا لَا يَخْفَى.
قَالَ فَفِي شَرْحِ السِّيَرِ: وَعَبَدَةُ الْأَوْثَانِ كَانُوا يُقِرُّونَ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَالَ تَعَالَى - {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} الزخرف: ٨٧-