وَاخْتَارَ الزَّيْلَعِيُّ تَفْوِيضَهُ لِلْإِمَامِ. وَطَرِيقُ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ أَنْ يَجْعَلَ الْقَاضِي مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ خَصْمًا عَنْهُ أَوْ يُنَصَّبُ عَلَيْهِ فِيمَا تُقْبَلُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ نَهْرٌ.
قُلْت: وَفِي وَاقِعَاتِ الْمُفْتِينَ لِقَدْرِيٍّ أَفَنَدِي مَعْزِيًّا لِلْقُنْيَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يَحْكُمُ بِمَوْتِهِ بِقَضَاءٍ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُحْتَمَلٌ، فَمَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ الْقَضَاءُ لَا يَكُونُ حُجَّةً (فَإِنْ ظَهَرَ قَبْلَهُ) قَبْلَ مَوْتِ أَقْرَانِهِ (حَيًّا فَلَهُ ذَلِكَ) الْقِسْطُ
ــ
رد المحتار
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ مَا جَاءَ إلَّا مِنْ اخْتِلَافِ الرَّأْيِ فِي أَنَّ الْغَالِبَ هَذَا فِي الطُّولِ أَوْ مُطْلَقًا اهـ (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ الزَّيْلَعِيُّ تَفْوِيضَهُ لِلْإِمَامِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَأَيُّ وَقْتٍ رَأَى الْمَصْلَحَةَ حَكَمَ بِمَوْتِهِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي الْيَنَابِيعِ: قِيلَ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي، وَلَا تَقْدِيرَ فِيهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَفِي الْقُنْيَةِ: جَعَلَ هَذَا رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ. اهـ.
قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا، بَلْ هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْقَوْلِ بِالتَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ بِأَنْ يَنْظُرَ وَيَجْتَهِدَ وَيَفْعَلَ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ فَلَا يَقُولُ بِالتَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ بَلْ يَنْظُرُ فِي الْأَقْرَانِ وَفِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَيَجْتَهِدُ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ مُغْنِي الْحَنَابِلَةِ حِكَايَتَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَمُحَمَّدٍ، وَأَنَّهُ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَكَذَا غَلَبَةُ الظَّنِّ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَإِنَّ الْمِلْكَ الْعَظِيمَ إذَا انْقَطَعَ خَبَرُهُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ فِي أَدْنَى مُدَّةٍ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَجْتَهِدُ وَيُحَكِّمُ الْقَرَائِنَ الظَّاهِرَةَ الدَّالَّةَ عَلَى مَوْتِهِ وَعَلَى هَذَا يُبْتَنَى عَلَى مَا فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا فُقِدَ فِي الْمُهْلِكَةِ فَمَوْتُهُ غَالِبٌ فَيُحْكَمُ بِهِ، كَمَا إذَا فُقِدَ فِي وَقْتِ الْمُلَاقَاةِ مَعَ الْعَدُوِّ أَوْ مَعَ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، أَوْ سَافَرَ عَلَى الْمَرَضِ الْغَالِبُ هَلَاكُهُ، أَوْ كَانَ سَفَرُهُ فِي الْبَحْرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ حُكِمَ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ فِي هَذِهِ الْحَالَاتِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ احْتِمَالَيْنِ، وَاحْتِمَالُ مَوْتِهِ نَاشِئٌ عَنْ دَلِيلٍ لَا احْتِمَالَ حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ كَاحْتِمَالِ مَا إذَا بَلَغَ الْمَفْقُودُ مِقْدَارَ مَا لَا يَعِيشُ عَلَى حَسَبِ مَا اخْتَلَفُوا فِي الْمِقْدَارِ نَقْلٌ مِنْ الْغُنْيَةِ اهـ مَا فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى.
وَأَفْتَى بِهِ بَعْضُ مَشَايِخِ مَشَايِخِنَا وَقَالَ إنَّهُ أَفْتَى بِهِ قَاضِي زَادَهْ صَاحِبُ بَحْر الْفَتَاوَى، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ مَوْتُهُ لَا بِمُجَرَّدِ فَقْدِهِ عِنْدَ مُلَاقَاةِ الْعَدُوِّ أَوْ سَفَرِهِ الْبَحْرَ وَنَحْوَهُ إلَّا إذَا كَانَ مَلِكًا عَظِيمًا فَإِنَّهُ إذَا بَقِيَ حَيًّا تَشْتَهِرُ حَيَاتُهُ، فَلِذَا قُلْنَا إنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَطَرِيقُ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ) فِيهِ إيهَامٌ أَنَّهُ يُحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ عَلَى مَوْتِ أَقْرَانِهِ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ، بَلْ الْمُرَادُ مَا إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى مَوْتِهِ حَقِيقَةً. فَفِي النَّهْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة: ثُمَّ طَرِيقُ مَوْتِهِ إمَّا بِالْبَيِّنَةِ أَوْ مَوْتِ الْأَقْرَانِ. وَطَرِيقُ قَبُولِ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ أَنْ يَجْعَلَ الْقَاضِي إلَخْ (قَوْلُهُ: أَوْ يُنَصِّبَ عَلَيْهِ قَيِّمًا) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَكِيلٌ يَحْفَظُ مَالَهُ يُنَصِّبُ عَنْهُ مُسَخَّرًا لِإِثْبَاتِ دَعْوَى مَوْتِهِ مِنْ زَوْجَتِهِ أَوْ أَحَدِ وَرَثَتِهِ أَوْ غَرِيمِهِ (قَوْلُهُ: بِقَضَاءٍ إلَخْ) هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَفِي الْفَاءِ مِنْ قَوْلِهِ فَتُعْتَدُّ عُرْسُهُ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ بِمُجَرَّدِ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَلَا يُتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي كَمَا قَالَ شَرَفُ الْأَئِمَّةِ وَقَالَ نَجْمُ الْأَئِمَّةِ الْقَاضِي عَبْدُ الرَّحِيمِ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ. اهـ. وَمَا قَالَهُ شَرَفُ الْأَئِمَّةِ مُوَافِقٌ لِلْمُتُونِ سَائِحَانِيٌّ.
قُلْت: لَكِنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ الثَّانِي. ثُمَّ رَأَيْت عِبَارَةَ الْوَاقِعَاتِ عَنْ الْقُنْيَةِ أَنَّ هَذَا أَيْ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ تَفْوِيضِ مَوْتِهِ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي نَصَّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ بِقَضَاءٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَإِنْ ظَهَرَ قَبْلَهُ) هَذِهِ الْقَبْلِيَّةَ لَا مَفْهُومَ لَهَا وَإِنْ ذَكَرَهَا الْكَثِيرُونَ سَائِحَانِيٌّ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِنْ عُلِمَ حَيَاتُهُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ يَرِثُ مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ أَقَارِبِهِ اهـ لَكِنْ لَوْ عَادَ حَيًّا بَعْدَ الْحُكْمِ بِمَوْتِ أَقْرَانِهِ قَالَ ط: الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْمَيِّتِ إذَا أُحْيِيَ، وَالْمُرْتَدِّ إذَا أَسْلَمَ، فَالْبَاقِي فِي يَدِ وَرَثَتِهِ لَهُ وَلَا يُطَالِبُ بِمَا ذَهَبَ. قَالَ: ثُمَّ بَعْدَ رَقْمِهِ رَأَيْت الْمَرْحُومَ أَبَا السُّعُودِ نَقَلَهُ عَنْ الشَّيْخِ شَاهِينَ وَنَقَلَ أَنَّ زَوْجَتَهُ لَهُ وَالْأَوْلَادَ لِلثَّانِي اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَلَهُ ذَلِكَ الْقِسْطُ)