مِنْ إعْرَاضِ الْحَاسِدِينَ عَنْهُ حَالَ حَيَاتِي فَسَيَتَلَقَّوْنَهُ بِالْقَبُولِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ وَفَاتِي، كَمَا قِيلَ:
تَرَى الْفَتَى يُنْكِرُ فَضْلَ الْفَتَى ... لُؤْمًا وَخُبْثًا فَإِذَا مَا ذَهَبْ
لَجَّ بِهِ الْحِرْصُ عَلَى نُكْتَةٍ ... يَكْتُبُهَا عَنْهُ بِمَاءِ الذَّهَبْ
فَهَاكَ مُؤَلِّفًا مُهَذِّبًا بِمُهِمَّاتِ هَذَا الْفَنِّ، مُظْهِرًا لِدَقَائِقَ اُسْتُعْمِلَتْ الْفِكَرُ فِيهَا إذَا مَا اللَّيْلُ جَنَّ، مُتَحَرِّيًا أَرْجَحَ الْأَقْوَالِ وَأَوْجَزَ الْعِبَارَةِ، مُعْتَمِدًا فِي دَفْعِ الْإِيرَادِ أَلْطَفَ الْإِشَارَةِ؛ فَرُبَّمَا خَالَفْت فِي حُكْمٍ أَوْ دَلِيلٍ
ــ
رد المحتار
مَا نَافِيَةٌ وَعَلَيَّ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ وَمَا عَلَيَّ بَأْسٌ أَوْ مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ مُبْتَدَأٌ وَعَلَيَّ الْخَبَرُ (قَوْلُهُ: فَسَيَتَلَقَّوْنَهُ بِالْقَبُولِ) قَدْ حَقَّقَ الْمَوْلَى رَجَاهُ وَأَعْطَاهُ فَوْقَ مَا تَمَنَّاهُ، وَهُوَ دَلِيلُ صِدْقِهِ وَإِخْلَاصِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَجَزَاهُ خَيْرًا (قَوْلُهُ: تَرَى الْفَتَى) رَأَى عِلْمِيَّةٌ وَالْفَتَى مَفْعُولٌ أَوَّلُ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الشَّابُّ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مُطْلَقُ الشَّخْصِ، وَجُمْلَةُ يُنْكِرُ مَفْعُولٌ ثَانٍ أَوْ بَصَرِيَّةٌ وَلَا يَرِدُ أَنَّ الْإِنْكَارَ مِمَّا لَا يُدْرَكُ بِالْبَصَرِ لِأَنَّهُ قَدْ تُدْرَكُ أَمَارَاتُهُ، عَلَى أَنَّهُ إذَا جُعِلَتْ بَصَرِيَّةً فَجُمْلَةُ يُنْكِرُ حَالٌ لَا مَفْعُولَ لَهَا حَتَّى يَرِدَ ذَلِكَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: لُؤْمًا) مَهْمُوزُ الْعَيْنِ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ (قَوْلُهُ: مَا ذَهَبَ) أَيْ مَاتَ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ مَا بَعْدَ إذَا زَائِدَةٌ (قَوْلُهُ: لَجَّ) بِالْجِيمِ؛ مِنْ اللَّجَاجِ: وَهُوَ الْخُصُومَةُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ اهـ ح وَضَمَّنَهُ مَعْنَى اشْتَدَّ فَعَدَّاهُ بِالْبَاءِ ط (قَوْلُهُ: الْحِرْصُ) طَلَبُ الشَّيْءِ بِاجْتِهَادٍ فِي إصَابَتِهِ تَعْرِيفَاتُ السَّيِّدِ (قَوْلُهُ: عَلَى نُكْتَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالْحِرْصِ وَالنُّكْتَةُ: هِيَ مَسْأَلَةٌ لَطِيفَةٌ أُخْرِجَتْ بِدِقَّةِ نَظَرٍ وَإِمْعَانِ فِكْرٍ، مِنْ نَكَتَ رُمْحَهُ بِأَرْضٍ: إذَا أَثَّرَ فِيهَا، وَسُمِّيَتْ الْمَسْأَلَةُ الدَّقِيقَةُ نُكْتَةً لِتَأَثُّرِ الْخَوَاطِرِ فِي اسْتِنْبَاطِهَا سَيِّدٌ (قَوْلُهُ: يَكْتُبُهَا) حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ أَوْ صِفَةٌ لِنُكْتَةٍ: أَيْ يُرِيدُ كِتَابَتَهَا (قَوْلُهُ: فَهَاكَ) اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى خُذْ (قَوْلُهُ: مُهَذِّبًا) بِالْكَسْرِ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ مُظْهِرًا، أَوْ هُوَ أَوْلَى مِنْ الْفَتْحِ لِأَنَّهُ أَقَلُّ تَكَلُّفًا وَالتَّهْذِيبُ: التَّنْقِيَةُ وَالْإِصْلَاحُ، وَقَوْلُهُ: لِمُهِمَّاتِ مَفْعُولُهُ وَاللَّامُ لِلتَّقْوِيَةِ، وَهُوَ جَمْعُ مُهِمَّةٍ: مَا يُهْتَمُّ بِتَحْصِيلِهِ (قَوْلُهُ: اسْتَعْمَلْت) أَيْ أَعْمَلْت فَالسِّينُ وَالتَّاءُ زَائِدَتَانِ، عَبَّرَ بِهِمَا إشَارَةً إلَى الِاعْتِنَاءِ وَالِاجْتِهَادِ ط (قَوْلُهُ: فِيهَا) أَيْ فِي تَحْرِيرِهَا ط (قَوْلُهُ: جَنَّ) أَيْ سَتَرَ الْأَشْيَاءَ بِظُلْمَتِهِ، وَالْمَادَّةُ تَدُلُّ عَلَى الِاسْتِتَارِ كَالْجِنِّ وَالْجِنَانِ وَالْجَنِينِ وَالْجَنَّةِ، وَإِنَّمَا خَصَّ اللَّيْلَ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الْأَفْكَارِ غَالِبًا، وَفِيهِ يَزْكُو الْفَهْمُ لِقِلَّةِ الْحَرَكَةِ فِيهِ. وَعَادَةُ الْعُلَمَاءِ يَتَلَذَّذُونَ بِالسَّهَرِ فِي التَّحْرِيرِ لِلْمَسَائِلِ كَمَا قَالَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
سَهَرِي لِتَنْقِيحِ الْعُلُومِ أَلَذُّ لِي ... مِنْ وَصْلِ غَانِيَةٍ وَطِيبِ عِنَاقِ
وَتَمَايُلِي طَرَبًا لِحَلِّ عَوِيصَةٍ ... فِي الذِّهْنِ أَبْلَغُ مِنْ مُدَامَةِ سَاقِي
وَصَرِيرُ أَقْلَامِي عَلَى صَفَحَاتِهَا ... أَشْهَى مِنْ الدَّوْكَاءِ وَالْعُشَّاقِ
وَأَلَذُّ مِنْ نَقْرِ الْفَتَاةِ لِدُفِّهَا ... نَقْرِي لِأُلْقِيَ الرَّمْلَ عَنْ أَوْرَاقِي
(قَوْلُهُ: مُتَحَرِّيًا) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ اسْتَعْمَلْت، وَالتَّحَرِّي: طَلَبُ أَحْرَى الْأَمْرَيْنِ وَأَوْلَاهُمَا سَيِّدٌ (قَوْلُهُ: أَرْجَحَ الْأَقْوَالِ) الْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى مِنْ وَهَذَا بِاعْتِبَارِ غَالِبِ مَا وَقَعَ لَهُ، وَإِلَّا فَقَدْ يَذْكُرُ قَوْلَيْنِ مُصَحَّحَيْنِ أَوْ يَذْكُرُ الصَّحِيحَ دُونَ الْأَصَحِّ ط (قَوْلُهُ: وَأَوْجَزَ الْعِبَارَةِ) أَيْ أَخْصَرَهَا: وَالْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى مِنْ ط (قَوْلُهُ: مُعْتَمِدًا) حَالٌ أَيْضًا مُتَرَادِفَةٌ أَوْ مُتَدَاخِلَةٌ: أَيْ مُعَوِّلًا ط (قَوْلُهُ: الْإِيرَادِ) أَيْ الِاعْتِرَاضِ (قَوْلُهُ: أَلْطَفَ الْإِشَارَةِ) كَأَنْ يَذْكُرَ فِي الْكَلَامِ مُضَافًا أَوْ قَيْدًا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَدْفَعُ بِهِ الْإِيرَادَ، وَلَا يَظْهَرُ ذَلِكَ إلَّا لِمَنْ اطَّلَعَ عَلَى كَلَامِ الْمَوْرِدِ، فَإِذَا رَأَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَلِمَ أَنَّهُ أَشَارَ بِهِ إلَى دَفْعِ ذَلِكَ وَرُبَّمَا صَرَّحَ بِمَا يُشِيرُ إلَيْهِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: فِي حُكْمٍ) بِأَنْ يَذْكُرَ إبَاحَةَ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ كَرَاهَتَهُ مَثَلًا (قَوْلُهُ: أَوْ دَلِيلٍ) بِأَنْ يَكُونَ دَلِيلٌ فِيهِ كَلَامٌ فَيَذْكُرُ غَيْرَهُ سَالِمًا، وَهَذَا