مُقَدِّمَةٌ
حَقٌّ عَلَى مَنْ حَاوَلَ عِلْمًا أَنْ يَتَصَوَّرَهُ بِحَدِّهِ أَوْ رَسْمِهِ
ــ
رد المحتار
(قَوْلُهُ: مُقَدِّمَةٌ) بِالرَّفْعِ خَبَرٌ لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ هَذِهِ مُقَدِّمَةٌ أَوْ بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ خُذْ مُقَدِّمَةً، وَهِيَ بِكَسْرِ الدَّالِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، فَهِيَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ قَدَّمَ الْمُتَعَدِّي: أَيْ مُقَدِّمَةٌ مِنْ فَهْمِهَا عَلَى غَيْرِهِ لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ تَعْرِيفِ الْفِقْهِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا. وَمَوْضُوعُهُ وَاسْتِمْدَادُهُ مَحْظُورُهُ وَمُبَاحُهُ وَفَضْلُ الْعِلْمِ وَتَعَلُّمِهِ وَتَرْجَمَةُ الْإِمَامِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَإِمَّا مِنْ اللَّازِمِ بِمَعْنَى تَقَدَّمَ: أَيْ مُتَقَدِّمَةٌ بِذَاتِهَا عَلَى غَيْرِهَا، وَيَجُوزُ فَتْحُ الدَّالِ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ الْمُتَعَدِّي: أَيْ قَدَّمَهَا أَرْبَابُ الْعُقُولِ عَلَى غَيْرِهَا لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ صِفَةٌ ثُمَّ جُعِلَتْ اسْمًا لِلطَّائِفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ الْجَيْشِ، ثُمَّ نُقِلَتْ إلَى أَوَّلِ كُلِّ شَيْءٍ، ثُمَّ جُعِلَتْ اسْمًا لِلْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً إنْ لُوحِظَ أَنَّهَا فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْمَفْهُومِ الْكُلِّيِّ، أَوْ مَجَازًا إنْ لُوحِظَ خُصُوصُهَا. وَهِيَ قِسْمَانِ: مُقَدِّمَةُ الْعِلْمِ، وَهِيَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الشُّرُوعُ فِي مَسَائِلِهِ مِنْ الْمَعَانِي الْمَخْصُوصَةِ، وَمُقَدِّمَةُ الْكِتَابِ: وَهِيَ طَائِفَةٌ مِنْ الْكَلَامِ قُدِّمَتْ أَمَامَ الْمَقْصُودِ لِارْتِبَاطٍ لَهُ بِهَا وَانْتِفَاعٍ بِهَا فِيهِ، وَتَمَامُ تَحْقِيقِ ذَلِكَ فِي الْمُطَوَّلِ وَحَوَاشِيهِ.
(قَوْلُهُ: حَقٌّ) أَيْ وَاجِبٌ صِنَاعَةً لِيَكُونَ شُرُوعُهُ عَلَى بَصِيرَةٍ صَوْنًا لِسَعْيِهِ عَنْ الْعَبَثِ.
(قَوْلُهُ: عَلَى مَنْ حَاوَلَ) أَيْ رَامَ عِلْمًا: أَيَّ عِلْمٍ كَانَ مِنْ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَغَيْرِهَا.
فَالشَّرْعِيَّةُ عِلْمُ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالتَّوْحِيدِ، وَغَيْرُ الشَّرْعِيَّةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: أَدَبِيَّةٌ، وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ كَمَا فِي شَيْخِي زَادَهْ. وَعَدَّهَا بَعْضُهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ: اللُّغَةَ وَالِاشْتِقَاقَ وَالتَّصْرِيفَ وَالنَّحْوَ وَالْمَعَانِيَ وَالْبَيَانَ وَالْبَدِيعَ وَالْعَرُوضَ وَالْقَوَافِيَ وَقَرِيضَ الشِّعْرِ وَإِنْشَاءَ النَّثْرِ وَالْكِتَابَةَ، وَالْقِرَاءَاتِ وَالْمُحَاضَرَاتِ وَمِنْهُ التَّارِيخُ. وَرِيَاضِيَّةٌ
وَهِيَ عَشَرَةٌ: التَّصَوُّفُ وَالْهَنْدَسَةُ وَالْهَيْئَةُ وَالْعِلْمُ التَّعْلِيمِيُّ وَالْحِسَابُ وَالْجَبْرُ وَالْمُوسِيقَى وَالسِّيَاسَةُ وَالْأَخْلَاقُ وَتَدْبِيرُ الْمَنْزِلِ. وَعَقْلِيَّةٌ: مَا عَدَا ذَلِكَ كَالْمَنْطِقِ وَالْجَدَلِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ وَالدِّينِ وَالْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ وَالطَّبِيعِيِّ وَالطِّبِّ وَالْمِيقَاتِ وَالْفَلْسَفَةِ وَالْكِيمْيَاءِ كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ اهـ، ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
(قَوْلُهُ: أَنْ يَتَصَوَّرَهُ بِحَدِّهِ أَوْ رَسْمِهِ) الْحَدُّ: مَا كَانَ بِالذَّاتِيَّاتِ كَالْحَيَوَانِ النَّاطِقِ لِلْإِنْسَانِ، وَالرَّسْمُ مَا كَانَ بِالْعَرَضِيَّاتِ كَالضَّاحِكِ لَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي أَسْمَاءِ الْعُلُومِ، فَقِيلَ إنَّهَا اسْمُ جِنْسٍ لِدُخُولِ أَلْ عَلَيْهَا، وَقِيلَ عِلْمُ جِنْسٍ وَاخْتَارَهُ السَّيِّدُ، وَقِيلَ عَلَمٌ كَالنَّجْمِ لِلثُّرَيَّا وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْهُمَامِ، وَهَلْ مُسَمَّى الْعِلْمِ إدْرَاكُ الْمَسَائِلِ أَوْ الْمَسَائِلُ نَفْسُهَا أَوْ الْمَلَكَةُ الاستحضارية. قَالَ السَّيِّدُ فِي شَرْحِ الْمِفْتَاحِ: الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لِلْعِلْمِ هُوَ الْإِدْرَاكُ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى مُتَعَلِّقٌ هُوَ الْمَعْلُومُ، وَلَهُ تَابِعٌ فِي الْحُصُولِ يَكُونُ ذَلِكَ التَّابِعُ وَسِيلَةً إلَيْهِ فِي الْبَقَاءِ وَهُوَ الْمَلَكَةُ. وَقَدْ أُطْلِقَ الْعِلْمُ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا إمَّا حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً أَوْ اصْطِلَاحِيَّةً أَوْ مَجَازًا مَشْهُورًا. اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّعْرِيفَ إمَّا حَقِيقِيٌّ كَتَعْرِيفِ الْمَاهِيَّاتِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَإِمَّا اسْمِيٌّ كَتَعْرِيفِ الْمَاهِيَّاتِ الِاعْتِبَارِيَّةِ، وَهُوَ تَبْيِينُ أَنَّ هَذَا الِاسْمَ لِأَيِّ شَيْءٍ وُضِعَ، وَتَمَامُهُ فِي التَّوْضِيحِ لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ. وَذَكَرَ السَّيِّدُ فِي حَوَاشِي شَرْحِ