بِرُبْعِ الْمُصَابِ كَيَدٍ وَكُمٍّ وَإِنْ قَالَ فِي الْحَقَائِقِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (مِنْ) نَجَاسَةٍ (مُخَفَّفَةٍ كَبَوْلِ مَأْكُولٍ) وَمِنْهُ الْفَرَسُ، وَطَهَّرَهُ مُحَمَّدٌ (وَخُرْءِ طَيْرٍ) مِنْ السِّبَاعِ أَوْ غَيْرِهَا (غَيْرِ مَأْكُولٍ) وَقِيلَ: طَاهِرٌ وَصُحِّحَ، ثُمَّ الْخِفَّةُ إنَّمَا تَظْهَرُ فِي غَيْرِ الْمَاءِ فَلْيُحْفَظْ
(وَ) عُفِيَ (دَمُ سَمَكٍ وَلُعَابُ بَغْلٍ وَحِمَارٍ) وَالْمَذْهَبُ طَهَارَتُهَا
(وَبَوْلٌ انْتَضَحَ كَرُءُوسِ إبَرٍ) وَكَذَا
ــ
رد المحتار
آكَدُ مِنْ لَفْظِ الْأَصَحِّ وَنَحْوِهِ مِنَحٌ، وَمُفَادُهُ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِرُبْعِ الْمُصَابِ وَهُوَ مُفَادُ مَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ، لَكِنْ اعْتَرَضَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ يُؤَدِّي إلَى التَّشْدِيدِ لَا إلَى التَّخْفِيفِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَبْلُغُ رُبْعُ الْمُصَابِ الدِّرْهَمَ فَيَلْزَمُ جَعْلُهُ مَانِعًا فِي الْمُخَفَّفَةِ مَعَ أَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فِي الْمُغَلَّظَةِ إذْ لَوْ كَانَ الْمُصَابُ الْأُنْمُلَةَ مِنْ الْبَدَنِ يَلْزَمُ الْقَوْلُ بِمَنْعِ رُبْعِهَا عَلَى الْقَوْلِ بِمَنْعِ رُبْعِ الْمُصَابِ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ اعْتِبَارُ كُلٍّ مِنْ الْيَدِ وَالرِّجْلِ بِتَمَامِهِ عُضْوًا وَاحِدًا فَلَا يَلْزَمُ مَا قَالَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ الْفَرَسُ) أَيْ: مِنْ الْمَأْكُولِ، وَإِنَّمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي غَيْرِ الْمَأْكُولِ عِنْدَ الْإِمَامِ فَيَكُونُ مُغَلَّظًا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا كَرِهَ لَحْمَهُ تَنْزِيهًا أَوْ تَحْرِيمًا عَلَى اخْتِلَافِ التَّصْحِيحِ؛ لِأَنَّهُ آلَةُ الْجِهَادِ، لَا لِأَنَّ لَحْمَهُ نَجِسٌ بِدَلِيلِ أَنَّ سُؤْرَهُ طَاهِرٌ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَطَهَّرَهُ مُحَمَّدٌ) الضَّمِيرُ لِبَوْلِ الْمَأْكُولِ الشَّامِلِ لِلْفَرَسِ ح. (قَوْلُهُ: وَصُحِّحَ) صَحَّحَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْكَرْخِيِّ كَمَا مَرَّ، وَرَوَى الْهِنْدُوَانِيُّ النَّجَاسَةَ وَصَحَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْأَوْلَى اعْتِمَادُهُ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْمُتُونِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: إنَّهُ أَوْجَهُ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْخِفَّةُ إنَّمَا تَظْهَرُ فِي غَيْرِ الْمَاءِ) اقْتَصَرَ فِي الْكَافِي عَلَى ظُهُورِهَا فِي الثِّيَابِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْبَدَنُ كَالثِّيَابِ فَلِذَا عَمَّمَ الشَّارِحُ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِ الْكَافِي الِاحْتِرَازُ عَنْ الْمَائِعَاتِ لَا عَنْ خُصُوصِ الْمَاءِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَائِعَ مَتَى أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ خَفِيفَةٌ أَوْ غَلِيظَةٌ وَإِنْ قَلَّتْ تَنَجَّسَ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ رُبْعٌ وَلَا دِرْهَمٌ، نَعَمْ تَظْهَرُ الْخِفَّةُ فِيمَا إذَا أَصَابَ هَذَا الْمَائِعُ ثَوْبًا أَوْ بَدَنًا فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الرُّبْعُ كَمَا أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ، وَاسْتَثْنَى ح خُرْءَ طَيْرٍ لَا يُؤْكَلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبِئْرِ فَإِنَّهُ لَا يُنَجِّسُهَا لِتَعَذُّرِ صَوْنِهَا عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبِئْرِ
(قَوْلُهُ: وَعُفِيَ دَمُ سَمَكٍ) صَرَّحَ بِالْفِعْلِ إشَارَةً إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَدَمُ سَمَكٍ إلَخْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ دُونُ رُبْعِ ثَوْبٍ. (قَوْلُهُ: وَالْمَذْهَبُ طَهَارَتُهَا) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَتْنَ يَقْتَضِي نَجَاسَتَهَا بِنَاءً عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ " نَجَاسَةُ دَمِ السَّمَكِ الْكَبِيرِ نَجَاسَةٌ غَلِيظَةٌ وَسُؤْرُ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ نَجَاسَةٌ خَفِيفَةٌ " كَمَا ذَكَرَهُ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّ دَمَ السَّمَكِ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ صُورَةً لَا حَقِيقَةً وَأَنَّ سُؤْرَ هَذَيْنِ طَاهِرٌ قَطْعًا، وَالشَّكُّ فِي طُهُورِيَّتِهِ فَيَكُونُ لُعَابُهُمَا طَاهِرًا
(قَوْلُهُ: وَبَوْلٌ اُنْتُضِحَ) أَيْ: تُرُشِّشَ، وَشَمِلَ بَوْلَهُ وَبَوْلَ غَيْرِهِ بَحْرٌ. وَكَالْبَوْلِ الدَّمُ عَلَى ثَوْبِ الْقَصَّابِ حِلْيَةٌ عَنْ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ. وَظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِالْقَصَّابِ أَيْ: اللَّحَّامِ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ فِي ثَوْبِ غَيْرِ الْقَصَّابِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الضَّرُورَةُ وَلَا ضَرُورَةَ لِغَيْرِهِ، وَتَأَمَّلْهُ مَعَ قَوْلِ الْبَحْرِ الْمَارِّ وَشَمِلَ بَوْلَهُ وَبَوْلَ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: كَرُءُوسِ إبَرٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ إبْرَةٍ احْتِرَازٌ عَنْ الْمِسَلَّةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا جَانِبُهَا الْآخَرُ) أَيْ: خِلَافًا لِأَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ حَيْثُ مَنَعَ بِالْجَانِبِ الْآخَرِ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ قَالُوا: لَا يُعْتَبَرُ الْجَانِبَانِ وَاخْتَارَهُ فِي الْكَافِي حِلْيَةٌ؛ فَرُءُوسُ الْإِبَرِ تَمْثِيلٌ لِلتَّقْلِيلِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الطَّلَبَةِ، لَكِنَّ فِيهِ أَيْضًا عَنْ الْكَرْمَانِيِّ أَنَّ هَذَا مَا لَمْ يُرَ عَلَى الثَّوْبِ وَإِلَّا وَجَبَ غَسْلُهُ إذَا صَارَ بِالْجَمْعِ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ. اهـ. وَكَذَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ فَقَالَ: وَالتَّقْيِيدُ بِعَدَمِ إدْرَاكِ الطَّرْفِ ذَكَرَهُ الْمُعَلَّى فِي نَوَادِرِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. مَطْلَبٌ إذَا صَرَّحَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ بِقَيْدٍ لَمْ يُصَرِّحْ غَيْرُهُ بِخِلَافِهِ وَجَبَ اتِّبَاعُهُ وَإِذَا صَرَّحَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ بِقَيْدٍ لَمْ يَرِدْ عَنْ غَيْرِهِ مِنْهُمْ تَصْرِيحٌ بِخِلَافِهِ يَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ سِيَّمَا وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ احْتِيَاطٍ وَلَا حَرَجَ فِي التَّحَرُّزِ عَنْ مِثْلِهِ، بِخِلَافِ مَا لَا يُرَى كَمَا فِي أَثَرِ أَرْجُلِ الذُّبَابِ، فَإِنَّ فِي التَّحَرُّزِ عَنْهُ حَرَجًا ظَاهِرًا. اهـ.
أَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الْهِنْدُوَانِيُّ، وَقَدْ عَلِمْت تَصْرِيحَ غَيْرِهِ مِنْ الْمَشَايِخِ بِخِلَافِهِ