بِالْمُوَافَقَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ (وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالنِّكَاحِ وَالْآخَرُ بِالتَّزْوِيجِ قُبِلَتْ) لِاتِّحَادِ مَعْنَاهُمَا (كَذَا الْهِبَةُ وَالْعَطِيَّةُ وَنَحْوُهُمَا، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ أَوْ مِائَةٍ وَمِائَتَيْنِ أَوْ طَلْقَةٍ وَطَلْقَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ رُدَّتْ) لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَيَيْنِ (كَمَا لَوْ ادَّعَى غَصْبًا أَوْ قَتْلًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ) لَمْ تُقْبَلْ، وَلَوْ شَهِدَا بِالْإِقْرَارِ بِهِ قُبِلَتْ.
(وَكَذَا) لَا تُقْبَلُ (فِي كُلِّ قَوْلٍ جُمِعَ مَعَ فِعْلٍ) بِأَنْ ادَّعَى أَلْفًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالدَّفْعِ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهَا لَا تُسْمَعُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ قَوْلٍ وَفِعْلٍ قُنْيَةٌ، إلَّا إذَا اتَّحَدَا لَفْظًا كَشَهَادَةِ أَحَدِهِمَا بِبَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ وَالْآخَرِ بِالْإِقْرَارِ بِهِ فَتُقْبَلُ لِاتِّحَادِ صِيغَةِ الْإِنْشَاءِ وَالْإِقْرَارِ، فَإِنَّهُ يَقُولُ فِي الْإِنْشَاءِ بِعْتُ وَاقْتَرَضْتُ وَفِي الْإِقْرَارِ كُنْتُ بِعْتُ وَاقْتَرَضْتُ فَلَمْ يَمْنَعْ الْقَبُولَ، بِخِلَافِ شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا بِقَتْلِهِ عَمْدًا بِسَيْفٍ وَالْآخَرِ بِهِ بِسِكِّينٍ لَمْ تُقْبَلْ لِعَدَمِ تَكْرَارِ الْفِعْلِ بِتَكَرُّرِ الْآلَةِ مُحِيطٌ وشُرُنْبُلالِيَّة (وَتُقْبَلُ عَلَى أَلْفٍ فِي) شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا (بِأَلْفٍ وَ) الْآخَرِ (بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ إنْ ادَّعَى) الْمُدَّعِي (الْأَكْثَرَ) لَا الْأَقَلَّ إلَّا أَنْ يُوَفِّقَ بِاسْتِيفَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ ابْنُ كَمَالٍ، وَهَذَا فِي الدَّيْنِ (وَفِي الْعَيْنِ تُقْبَلُ عَلَى الْوَاحِدِ كَمَا لَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ أَنَّ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ لَهُ وَآخَرُ أَنَّ هَذَا لَهُ قُبِلَتْ عَلَى) الْعَبْدِ (الْوَاحِدِ) الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ اتِّفَاقًا دُرَرٌ.
(وَفِي الْعَقْدِ لَا) تُقْبَلُ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعَى أَقَلَّ الْمَالَيْنِ أَوْ أَكْثَرَهُمْ عَزْمِي زَادَهْ.
ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ كِتَابَتِهِ عَلَى أَلْفٍ وَآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ رُدَّتْ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ الْعَقْدِ،
ــ
رد المحتار
نَقَلْنَاهُ عَنْهُ، فَإِنَّ الْخَمْسَةَ مَعْنَاهَا الْمُطَابِقُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْأَرْبَعَةِ بَلْ تَتَضَمَّنُهَا وَلِذَا لَمْ يَقْبَلْهَا الْإِمَامُ وَقَبِلَهَا صَاحِبَاهُ لِاكْتِفَائِهِمَا بِالتَّضَمُّنِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عِنْدَ الْإِمَامِ الِاتِّفَاقُ عَلَى لَفْظٍ بِعَيْنِهِ بَلْ إمَّا بِعَيْنِهِ أَوْ بِمُرَادِفِهِ، وَقَوْلُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ مُرَادُهُ بِهِ أَنَّ التَّوَافُقَ عَلَى لَفْظٍ بِعَيْنِهِ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ لَا مُطْلَقًا كَمَا ظُنَّ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ بِالْمُوَافَقَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ) فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ مَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَهَا أَنْتِ خَلِيَّةٌ وَالْآخَرُ أَنْتِ بَرِيَّةٌ لَا يَقْضِي بِبَيْنُونَةٍ أَصْلًا مَعَ إفَادَتِهِمَا مَعْنَاهَا، أُجِيبَ بِمَنْعِ التَّرَادُفِ بَلْ هُمَا مُتَبَايِنَانِ لِمَعْنَيَيْنِ يَلْزَمُهُمَا لَازِمٌ وَاحِدٌ وَهُوَ وُقُوعُ الْبَيْنُونَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ لِاتِّحَادِ مَعْنَاهُمَا) أَيْ مُطَابَقَةً فَصَارَ كَأَنَّ اللَّفْظَ مُتَّحِدٌ أَيْضًا فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَا بِالْإِقْرَارِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ فِي قَوْلٍ مَعَ فِعْلٍ، بِخِلَافِ اخْتِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ فِي ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ قَوْلٍ وَفِعْلٍ) بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ لِلْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَشَهِدَ الْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَلْفٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِجَمْعٍ بَيْنَ قَوْلٍ وَفِعْلٍ مُنْلَا عَلَيَّ التُّرْكُمَانِيِّ عَنْ الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ.
(قَوْلُهُ إلَّا إذَا اتَّحَدَا) الظَّاهِرُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ مَعَ قَوْلٍ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ بَلْ قَوْلَانِ، لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ وَالْإِقْرَارَ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا قَوْلٌ كَمَا سَيَذْكُرُهُ.
(قَوْلُهُ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ) بِخِلَافِ الْعَشَرِ وَخَمْسَةَ عَشَرَ حَيْثُ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ كَالْأَلْفَيْنِ إذْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُوَفِّقَ) كَأَنْ يَقُولَ كَانَ لِي عَلَيْهِ كَمَا شَهِدَا إلَّا أَنَّهُ أَوْفَانِي كَذَا بِغَيْرِ عِلْمِهِ. وَفِي الْبَحْرِ: وَلَا يَحْتَاجُ هُنَا إلَى إثْبَاتِ التَّوْفِيقِ بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ يَتِمُّ بِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى الْمِلْكَ بِالشِّرَاءِ فَشَهِدَ بِالْهِبَةِ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ لِإِثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ سَائِحَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَهَذَا فِي الدَّيْنِ) أَيْ اشْتِرَاطُ الْمُوَافَقَةِ بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ لَفْظًا.
(قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعَى إلَخْ) وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعِي الْبَائِعَ أَوْ الْمُشْتَرِيَ دُرَرٌ.
(قَوْلُهُ أَوْ كِتَابَتِهِ عَلَى أَلْفٍ) شَامِلٌ لِمَا إذَا ادَّعَاهَا الْعَبْدُ وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى وَهُوَ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ مَقْصُودَهُ هُوَ الْعَقْدُ. وَلِمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمَوْلَى كَمَا زَادَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَلَى الْجَامِعِ قَالَ فِي الْفَتْحِ لِأَنَّ دَعْوَى السَّيِّدِ الْمَالَ عَلَى عَبْدِهِ لَا تَصِحُّ إذْ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ إلَّا بِوَاسِطَةِ دَعْوَى الْكِتَابَةِ فَيَنْصَرِفُ إنْكَارُ الْعَبْدِ إلَيْهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ إلَّا بِهِ فَالشَّهَادَةُ لَيْسَتْ إلَّا لِإِثْبَاتِهَا اهـ.