شَهِدَ بِزُورٍ) بِأَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ وَلَمْ يَدَّعِ سَهْوًا أَوْ غَلَطًا كَمَا حَرَّرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ، وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّفْيِ (عُزِّرَ بِالتَّشْهِيرِ) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى سِرَاجِيَّةٌ، وَزَادَ ضَرَبَهُ وَحَبَسَهُ مَجْمَعٌ. وَفِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُسَحِّمَ وَجْهَهُ إذَا رَآهُ سِيَاسَةً، وَقِيلَ إنْ رَجَعَ مُصِرًّا ضُرِبَ إجْمَاعًا، وَإِنْ تَائِبًا لَمْ يُعَزَّرْ إجْمَاعًا، وَتَفْوِيضُ مُدَّةِ تَوْبَتِهِ لِرَأْيِ الْقَاضِي عَلَى الصَّحِيحِ لَوْ فَاسِقًا، وَلَوْ عَدْلًا أَوْ مَسْتُورًا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا.
قُلْتُ: وَعَنْ الثَّانِي تُقْبَلُ، وَبِهِ يُفْتَى عَيْنِيٌّ وَغَيْرُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
رد المحتار
مَعَ الِاسْمِ هَلْ هُمَا وَاحِدٌ أَوْ لَا اهـ. وَالْمُرَادُ بِالثَّلَاثَةِ اسْمُهُ وَاسْمُ أَبِيهِ وَجَدِّهِ أَوْ صِنَاعَتُهُ أَوْ فَخِذُهُ فَإِنَّهُ يَكْفِي عَنْ الْجَدِّ خِلَافًا لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
فَفِي الْهِدَايَةِ: ثُمَّ التَّعْرِيفُ وَإِنْ كَانَ يَتِمُّ بِذِكْرِ الْجَدِّ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ فَذِكْرُ الْفَخْذِ يَقُومُ مَقَامَ الْجَدِّ لِأَنَّهُ اسْمُ الْجَدِّ الْأَعْلَى أَيْ فِي ذَلِكَ الْفَخْذِ الْخَاصِّ، فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الْجَدِّ الْأَدْنَى وَفِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ وَفِي الْعَجَمِ ذِكْرُ الصِّنَاعَةِ بِمَنْزِلَةِ الْفَخْذِ لِأَنَّهُمْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بَدَلَ الْإِعْلَامِ رَفْعُ الِاشْتِرَاكِ، لِأَنَّ الْإِعْلَامَ بِأَنْ يُعْرَفَ غَيْرُ مُرَادٍ كَمَا مَرَّ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالِاسْمِ الْمُجَرَّدِ مَشْهُورًا كَشُهْرَةِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ يَكْفِي عَنْ ذِكْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَلَوْ كَنَّى بِلَا تَسْمِيَةٍ لَمْ تُقْبَلْ إلَّا إذَا كَانَ مَشْهُورًا كَالْإِمَامِ.
(قَوْلُهُ شَهِدَ بِزُورٍ) وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِيهَا سَوَاءٌ بَحْرٌ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ.
(قَوْلُهُ بِأَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَيَّدَ بِإِقْرَارِهِ لِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِهِ إلَّا بِإِقْرَارِهِ. وَزَادَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنْ يَشْهَدَ بِمَوْتِ وَاحِدٍ فَيَجِيءَ حَيًّا، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَبَحَثَ فِيهِ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ.
وَاعْتَرَضَ بِالْإِقْرَارِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بِأَنَّهُ قَدْ يَعْلَمُ بِدُونِهِ، كَمَا إذَا شَهِدَ بِمَوْتِ زَيْدٍ أَوْ بِأَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ ثُمَّ ظَهَرَ زَيْدٌ حَيًّا أَوْ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَمَضَى ثَلَاثُونَ يَوْمًا لَيْسَ فِي السَّمَاءِ عِلَّةٌ وَلَمْ يُرَ الْهِلَالُ. وَأَجَابَ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ إمَّا لِنُدْرَتِهِ وَإِمَّا لِأَنَّهُ لَا مَحِيصَ لَهُ أَنْ يَقُولَ كَذَبْتُ أَوْ ظَنَنْتُ ذَلِكَ فَهُوَ بِمَعْنَى كَذَبْتُ لِإِقْرَارِهِ بِالشَّهَادَةِ بِغَيْرِ عِلْمٍ. وَفِي الْيَعْقُوبِيَّةِ أَيْضًا يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِإِقْرَارٍ عَلَى الْحَصْرِ الْإِضَافِيِّ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ لَا يُعْلَمُ بِالْبَيِّنَةِ. وَأَجَابَ ابْنُ الْكَمَالِ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْمَوْتِ تَجُوزُ بِالتَّسَامُعِ وَكَذَا بِالنَّسَبِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ رَأَيْتُ قَتِيلًا سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ إنَّهُ عَمْرُو بْنُ زَيْدٍ، وَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَالْأَمْرُ فِيهِ أَوْسَعُ اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ) أَيْ إثْبَاتُ تَزْوِيرِهِ، أَمَّا إثْبَاتُ إقْرَارِهِ فَمُمْكِنٌ كَمَا لَا يَخْفَى تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَزَادَ ضَرْبَهُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَوْلَهُمَا وَقَالَ: إنَّهُ الْحَقُّ.
(قَوْلُهُ أَنْ يُسَحِّمَ) السُّحْمُ بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ السَّوْدَوَانِيُّ كَذَا فِي الْهَامِشِ.
(قَوْلُهُ إذَا رَآهُ سِيَاسَةً) قَدَّمَ الشَّارِحُ فِي آخِرِ بَابِ حَدِّ الْقَذْفِ مَا يُخَالِفُ هَذَا حَيْثُ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ فِي حُكْمِ السِّيَاسَةِ أَنَّ الْإِمَامَ يَفْعَلُهَا وَلَمْ يَقُولُوا الْقَاضِي فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ بِالسِّيَاسَةِ وَلَا الْعَمَلُ بِهَا فَلْيُحَرَّرْ فَتَّالٌ.
(قَوْلُهُ مُصِرًّا) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ قِيلَ إنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ رَجَعَ عَلَى سَبِيلِ الْإِصْرَارِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ نَعَمْ شَهِدْتُ فِي هَذِهِ بِالزُّورِ وَلَا أَرْجِعُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ بِالضَّرْبِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ رَجَعَ عَلَى سَبِيلِ التَّوْبَةِ لَا يُعَزَّرُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ، وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فَجَوَابُهُ فِي التَّائِبِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّعْزِيرِ الِانْزِجَارُ وَقَدْ انْزَجَرَ بِدَاعِي اللَّهِ تَعَالَى. وَجَوَابُهُمَا فِيمَنْ لَمْ يَتُبْ وَلَا يُخَالِفْ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ.
(قَوْلُهُ أَبَدًا) لِأَنَّ عَدَالَتَهُ لَا تُعْتَمَدُ مُنْلَا عَلِيٍّ.
(قَوْلُهُ تُقْبَلُ) أَيْ مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ مَرَّةً كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَالْأَقْلَفُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: الْمَعْرُوفُ بِالْعَدَالَةِ إذَا شَهِدَ بِزُورٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا لِأَنَّهُ لَا تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ. وَرَوَى الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّهُ تُقْبَلُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ اهـ. وَكَلَامُ الشَّارِحِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا تَأَمَّلْ.