يَكُونُ لِلْأَشْيَاءِ قُبَيْلَ (الزَّوَالِ) وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَا يُغْرَزُ اعْتَبَرَ بِقَامَتِهِ وَهِيَ سِتَّةُ أَقْدَامٍ بِقَدَمِهِ مِنْ طَرَفِ إبْهَامِهِ.
(وَوَقْتُ الْعَصْرِ مِنْهُ إلَى) قُبَيْلِ (الْغُرُوبِ) فَلَوْ غَرَبَتْ ثُمَّ عَادَتْ هَلْ يَعُودُ الْوَقْتُ بِالظَّاهِرِ، نَعَمْ
ــ
رد المحتار
مَا قَبْلَ الزَّوَالِ فَيْئًا أَصْلًا سِرَاجٌ وَنَهْرٌ.
(قَوْلُهُ: يَكُونُ لِلْأَشْيَاءِ قُبَيْلَ الزَّوَالِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ إضَافَةَ الْفَيْءِ إلَى الزَّوَالِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ لِحُصُولِهِ عِنْدَ الزَّوَالِ فَلَا تُعَدُّ إضَافَتُهُ إلَيْهِ تَسَامُحًا دُرَرٌ، أَيْ خِلَافًا لِشَرْحِ الْمَجْمَعِ مِنْ أَنَّهَا تَسَامُحٌ، وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ؛ لِأَنَّ التَّسَامُحَ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ لَا لِعَلَاقَةٍ، وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ مَجَازٌ فِي الْإِسْنَادِ؛ لِأَنَّ الْفَيْءَ إنَّمَا يُسْنَدُ حَقِيقَةً لِلْأَشْيَاءِ كَالشَّاخِصِ وَنَحْوِهِ لَا لِلزَّوَالِ.
قُلْت: لَكِنْ يَرِدُ أَنَّ الظِّلَّ لَا يُسَمَّى فَيْئًا إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ كَمَا عَلِمْت، وَبِهِ اعْتَرَضَ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى التَّعْبِيرِ بِفَيْءِ الزَّوَالِ أَيْ فَهُوَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ عَنْ الظِّلِّ، وَإِسْنَادُهُ إلَى الزَّوَالِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ كَمَا عَلِمْت لَا لُغَوِيٌّ أَيْضًا. وَلَا تَسَامُحَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ اسْتِعْمَالُ كَلِمَةٍ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَتْ لَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُ الْقُهُسْتَانِيِّ حَيْثُ جَعَلَ فِي الْكَلَامِ مَجَازَيْنِ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ) أَيْ طُولًا وَقِصَرًا وَانْعِدَامًا بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا أَوْضَحَهُ ح.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَا يُغْرَزُ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ وَجَدَ خَشَبَةً يَغْرِزُهَا فِي الْأَرْضِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَيَنْتَظِرُ الظِّلَّ مَا دَامَ مُتَرَاجِعًا إلَى الْخَشَبَةِ فَإِذَا أَخَذَ فِي الزِّيَادَةِ حِفْظَ الظِّلِّ الَّذِي قَبْلَهَا فَهُوَ ظِلُّ الزَّوَالِ ح: وَعَنْ مُحَمَّدٍ: يَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، فَمَا دَامَتْ الشَّمْسُ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْسَرِ فَالشَّمْسُ لَمْ تَزُلْ وَإِنْ صَارَتْ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ فَقَدْ زَالَتْ، وَعَزَاهُ فِي الْمِفْتَاحِ إلَى الْإِيضَاحِ قَائِلًا إنَّهُ أَيْسَرُ مِمَّا سَبَقَ عَنْ الْمَبْسُوطِ مِنْ غَرْزِ الْخَشَبَةِ إسْمَاعِيلُ.
(قَوْلُهُ: اعْتَبَرَ بِقَامَتِهِ) أَيْ بِأَنْ يَقِفَ مُعْتَدِلًا فِي أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ حَاسِرًا عَنْ رَأْسِهِ خَالِعًا نَعْلَيْهِ مُسْتَقْبِلًا لِلشَّمْسِ أَوْ لِظِلِّهِ وَيَحْفَظُ ظِلَّ الزَّوَالِ كَمَا مَرَّ، ثُمَّ يَقِفُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَيَأْمُرُ مَنْ يُعَلِّمُ لَهُ عَلَى مُنْتَهَى ظِلِّهِ عَلَامَةً، فَإِذَا بَلَغَ الظِّلُّ طُولَ الْقَامَةِ مَرَّتَيْنِ أَوْ مَرَّةً سِوَى ظِلِّ الزَّوَالِ فَقَدْ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَإِنْ لَمْ يُعَلِّمْ عَلَامَةً يَكِيلُ بَدَلَهَا سِتَّةَ أَقْدَامٍ وَنِصْفًا بِقَدَمِهِ وَقِيلَ سَبْعَةً.
(قَوْلُهُ: مِنْ طَرَفِ إبْهَامِهِ) حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ بِقَدَمِهِ، أَشَارَ بِهِ إلَى الْجَمِيعِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قِيلَ إنَّ قَامَةَ كُلِّ إنْسَانٍ سِتَّةُ أَقْدَامٍ وَنِصْفٌ بِقَدَمِهِ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ: سَبْعَةُ أَقْدَامٍ: قَالَ الزَّاهِدِيُّ: وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُعْتَبَرَ سَبْعَةُ أَقْدَامٍ مِنْ طَرَفِ سَمْتِ السَّاقِ وَسِتَّةٌ وَنِصْفٌ مِنْ طَرَفِ الْإِبْهَامِ، وَإلَيْهِ أَشَارَ الْبَقَّالِيُّ. اهـ. حِلْيَةٌ:
أَقُولُ: بَيَانُهُ إذَا وَقَفَ الْوَاقِفُ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى ثُمَّ نَقَلَ الْيُمْنَى وَوَضَعَ عَقِبَهَا عِنْدَ طَرَفِ إبْهَامِ الْيُسْرَى ثُمَّ نَقَلَ الْيُسْرَى كَذَلِكَ وَهَكَذَا سِتَّ مَرَّاتٍ، فَإِنْ بَدَأَ بِالِاعْتِبَارِ مِنْ طَرَفِ سَمْتِ السَّاقِ، يَعْنِي مِنْ طَرَفِ عَقِبِ الْيُسْرَى الَّتِي كَانَ وَاقِفًا عَلَيْهَا أَوَّلًا كَانَ سَبْعَةَ أَقْدَامٍ، وَإِنْ بَدَأَ بِالِاعْتِبَارِ مِنْ طَرَفِ إبْهَامِهَا كَانَ سِتَّةَ أَقْدَامٍ وَنِصْفَ قَدَمٍ.
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ أَخْذُ طُولِ ارْتِفَاعِ الْقَامَةِ، وَمَبْدَأُ ارْتِفَاعِهَا مِنْ جِهَةِ الْوَجْهِ عِنْدَ نِصْفِ الْقَدَمِ وَمِنْ جِهَةِ الْقَفَا عِنْدَ طَرَفِ الْعَقِبِ، فَمَنْ لَاحَظَ الْأَوَّلَ اعْتَبَرَ نِصْفَ الْقَدَمِ الَّتِي كَانَ وَاقِفًا عَلَيْهَا وَقَدْرَ الْقَامَةِ بِسِتَّةِ أَقْدَامٍ وَنِصْفٍ وَمَنْ لَاحَظَ الثَّانِيَ اعْتَبَرَ الْقَدَمَ الْمَذْكُورَةَ بِتَمَامِهَا وَقَدَّرَ بِسَبْعَةٍ، وَعَلَى كُلٍّ فَالْمُرَادُ وَاحِدٌ، وَهَذَا الَّذِي قَرَّرْنَاهُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا رَأَيْته فِي بَعْضِ كُتُبِ الْمِيقَاتِ. وَحَاصِلُهُ إنْ حَسَبَ كُلَّ الْقَدَمِ الَّتِي كَانَ وَاقِفًا عَلَيْهَا كَانَ سَبْعَةَ أَقْدَامٍ، وَإِنْ حَسَبَ نِصْفَهَا كَانَ سِتَّةَ أَقْدَامٍ وَنِصْفًا فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: مِنْهُ) أَيْ مِنْ بُلُوغِ الظِّلِّ مِثْلَيْهِ عَلَى رِوَايَةِ الْمَتْنِ. مَطْلَبُ لَوْ رُدَّتْ الشَّمْسُ بَعْدَ غُرُوبِهَا.
(قَوْلُهُ: الظَّاهِرُ نَعَمْ) بَحْثٌ لِصَاحِبِ النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ: ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ الْوَقْتَ يَعُودُ «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَامَ فِي حِجْرِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ ذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ فَاتَتْهُ الْعَصْرُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنَّهُ كَانَ فِي طَاعَتِك وَطَاعَةِ رَسُولِك فَارْدُدْهَا عَلَيْهِ، فَرُدَّتْ حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ» وَكَانَ ذَلِكَ بِخَيْبَرَ، وَالْحَدِيثُ صَحَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ