وَعِنْدَهُمَا يُحْجَرُ عَلَى الْحُرِّ بِالسَّفَهِ وَ) الْغَفْلَةِ وَ (بِهِ) أَيْ بِقَوْلِهِمَا (يُفْتَى) صِيَانَةً لِمَالِهِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا الْمُفْتَى بِهِ (فَيَكُونُ فِي أَحْكَامِهِ كَصَغِيرٍ) ثُمَّ هَذَا الْخِلَافُ فِي تَصَرُّفَاتٍ تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَيُبْطِلُهَا الْهَزْلُ وَأَمَّا مَا لَا يَحْتَمِلُهُ وَلَا يُبْطِلُهُ الْهَزْلُ فَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ فَلِذَا قَالَ (إلَّا فِي نِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَاسْتِيلَادٍ وَتَدْبِيرٍ
ــ
رد المحتار
قُلْت: وَبَابُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ أَوْسَعُ مِنْ هَذَا تَأَمَّلْ نَعَمْ يَنْبَغِي ذِكْرُ الْمَرِيضِ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيمَا فَوْقَ الثُّلُثِ. تَنْبِيهٌ :
يُعْلَمُ مِنْ هَذَا عَدَمُ جَوَازِ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ بَعْضِ الصَّنَائِعِ وَالْحِرَفِ مِنْ مَنْعِهِمْ مَنْ أَرَادَ الِاشْتِغَالَ فِي حِرْفَتِهِمْ وَهُوَ مُتْقِنٌ لَهَا أَوْ أَرَادَ تَعَلُّمَهَا فَلَا يَحِلُّ التَّحْجِيرُ كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا يُحْجَرُ عَلَى الْحُرِّ) أَيْ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ. قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: ثُمَّ اخْتَلَفَا فِيمَا بَيْنَهُمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ إلَّا بِحَجْرِ الْحَاكِمِ، وَلَا يَنْفَكُّ حَتَّى يُطْلِقَهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: فَسَادُهُ فِي مَالِهِ يَحْجُرُهُ وَإِصْلَاحُهُ فِيهِ يُطْلِقُهُ، وَالثَّمَرَةُ فِيمَا بَاعَهُ قَبْلَ حَجْرِ الْقَاضِي يَجُوزُ عِنْدَ الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي. (قَوْلُهُ: بِالسَّفَهِ وَالْغَفْلَةِ) أَيْ وَالدَّيْنِ كَمَا يَأْتِي وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْغَفْلَةِ بِالْفَسَادِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْفِسْقَ فَافْهَمْ قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْحَجْرِ عِنْدَهُمَا الْقَضَاءُ بِالْإِفْلَاسِ، ثُمَّ الْحَجْرِ بِنَاءً عَلَيْهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْحَجْرِ بِالسَّفَهِ مَعَ كَوْنِهِ يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَمْوَالِ. وَأَمَّا الْحَجْرُ بِالدَّيْنِ فَيَخُصُّ الْمَالَ الْمَوْجُودَ، حَتَّى يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ فِي مَالٍ حَدَثَ بَعْدَهُ بِالْكَسْبِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْقُهُسْتَانِيِّ وَالْبُرْجُنْدِيِّ فَلْيُحْفَظْ اهـ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: الْحَجْرُ بِالدَّيْنِ يُفَارِقُ الْحَجْرَ بِالسَّفَهِ مِنْ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ حَجْرَ السَّفِيهِ لِمَعْنًى فِيهِ وَهُوَ سُوءُ اخْتِيَارِهِ لَا لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ بِخِلَافِهِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ فَيَفْتَقِرُ لِلْقَضَاءِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْمَحْجُورَ بِالسَّفَهِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ وَأَدَّى لَا يَرْجِعُ بِمَا سَعَى عَلَى الْمَوْلَى بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ بِخِلَافِ الْمَحْجُورِ بِالْإِفْلَاسِ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْمَحْجُورَ بِالدَّيْنِ لَوْ أَقَرَّ حَالَةَ الْحَجْرِ يَنْفُذُ إقْرَارُهُ بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ وَكَذَا حَالَةَ الْحَجْرِ فِيمَا سَيَحْدُثُ لَهُ مِنْ الْمَالِ حَالَةَ الْحَجْرِ وَالْمَحْجُورُ بِالسَّفَهِ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ لَا حَالَ الْحَجْرِ وَلَا بَعْدَهُ وَلَا فِي الْمَالِ الْقَائِمِ وَلَا الْحَادِثِ اهـ مُلَخَّصًا.
قُلْت: وَيُزَادُ مَا مَرَّ مِنْ تَوَقُّفِ الْحَجْرِ بِالدَّيْنِ عَلَى الْقَضَاءِ أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِكَوْنِهِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، بِخِلَافِ الْحَجْرِ بِالسَّفَهِ لِأَنَّهُ لِحَقِّهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَرْجِيحُهُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. (قَوْلُهُ: بِهِ) أَيْ بِقَوْلِهِمَا يُفْتَى بِهِ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ فِي كِتَابِ الْحِيطَانِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فَيَكُونُ أَقْوَى مِنْ الِالْتِزَامِ كَذَا قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ: وَمُرَادُهُ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْمُتُونِ مِنْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْحَجْرِ عَلَى الْحُرِّ مُصَحَّحٌ بِالِالْتِزَامِ وَمَا وَقَعَ فِي قَاضِي خَانْ مِنْ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا تَصْرِيحٌ بِالتَّصْحِيحِ فَيَكُونُ هُوَ الْمُعْتَمَدَ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ الْفَتْوَى مَوْلَانَا فِي فَوَائِدِهِ مِنَحٌ، وَفِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ صَالِحٍ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ التَّوْضِيحِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ اهـ وَأَفْتَى بِهِ الْبَلْخِيّ وَأَبُو الْقَاسِمِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ الْآتِي " وَالْقَاضِي يَحْبِسُ الْحُرَّ الْمَدْيُونَ ". (قَوْلُهُ: كَصَغِيرٍ) أَيْ يَعْقِلُ وَمِثْلُهُ الْبَالِغُ الْمَعْتُوهُ كَمَا فِي حَوَاشِي الْأَشْبَاهِ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي نِكَاحٍ وَطَلَاقٍ) فَإِنْ سَمَّى جَازَ مِنْهُ مِقْدَارُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَبَطَلَ الْفَضْلُ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ نِصْفُ الْمُسَمَّى، لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ صَحِيحَةٌ فِي مِقْدَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ أَوْ تَزَوَّجَ كُلَّ يَوْمٍ وَاحِدَةً فَطَلَّقَهَا لِأَنَّ التَّزَوُّجَ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَعَتَاقٍ) وَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ طُورِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَاسْتِيلَادٍ) بِأَنْ وَلَدَتْ جَارِيَتُهُ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ وَتَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ بِمَوْتِهِ وَلَا تَسْعَى هِيَ وَلَا وَلَدُهَا فِي شَيْءٍ لِأَنَّ ثُبُوتَ نَسَبِ الْوَلَدِ شَاهِدٌ لَهَا؛ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ فَقَالَ هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي لَمْ تُبَعْ وَسَعَتْ بِمَوْتِهِ فِي كُلِّ قِيمَتِهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ زَيْلَعِيٌّ وَهِيَ ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنًّا جَوْهَرَةٌ. (قَوْلُهُ: وَتَدْبِيرٍ) وَيَسْعَى بِمَوْتِ الْمَوْلَى غَيْرُ رَشِيدٍ فِي قِيمَتِهِ