ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ (وَأَكَلَ مِنْهُ الطِّفْلُ) وَادَّخَرَ لَهُ قَدْرَ حَاجَتِهِ (وَمَا بَقِيَ يُبَدَّلُ بِمَا يَنْتَفِعُ) الصَّغِيرُ (بِعَيْنِهِ) كَثَوْبٍ وَخُفٍّ لَا بِمَا يُسْتَهْلَكُ كَخُبْزٍ وَنَحْوِهِ ابْنُ كَمَالٍ وَكَذَا الْجَدُّ وَالْوَصِيُّ.
(وَصَحَّ) (اشْتِرَاكُ سِتَّةٍ فِي بَدَنَةٍ شُرِيَتْ لِأُضْحِيَّةٍ) أَيْ إنْ نَوَى وَقْتَ الشِّرَاءِ الِاشْتِرَاكَ صَحَّ اسْتِحْسَانًا وَإِلَّا لَا (اسْتِحْسَانًا وَذَا) أَيْ الِاشْتِرَاكُ (قَبْلَ الشِّرَاءِ أَحَبُّ، وَيُقْسَمُ اللَّحْمُ وَزْنًا
ــ
رد المحتار
وَاخْتَارَهُ فِي الْمُلْتَقَى حَيْثُ قَدَّمَهُ، وَعَبَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ بِقِيلَ، وَرَجَّحَهُ الطَّرَسُوسِيُّ بِأَنَّ الْقَوَاعِدَ تَشْهَدُ لَهُ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ، وَلَيْسَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهَا أَوْلَى مِنْ الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي مَالِهِ (قَوْلُهُ بِمَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ يَشْتَرِيَ بِهَا مَا ذُكِرَ ط، وَيُفِيدُهُ مَا نَذْكُرُهُ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْجَدُّ وَالْوَصِيُّ) أَيْ كَالْأَبِ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ
(قَوْلُهُ وَصَحَّ اشْتِرَاكُ سِتَّةٍ) كَذَا فِيمَا رَأَيْنَاهُ مِنْ النُّسَخِ مِنْ الِافْتِعَالِ بِالتَّاءِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي عِدَّةِ كُتُبٍ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ مُضَافٌ إلَى مَفْعُولِهِ وَالْفَاعِلُ مَحْذُوفٌ وَهُوَ الشَّارِي، وَلِذَا قَالَ فِي الدُّرَرِ: أَيْ جَعَلَهُمْ شُرَكَاءَ لَهُ (قَوْلُهُ فِي بَدَنَةٍ شُرِيَتْ لِأُضْحِيَّةٍ) أَيْ لِيُضَحِّيَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ هِدَايَةٌ وَغَيْرُهَا، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْغَنِيِّ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَعَيَّنْ لِوُجُوبِ الضَّحِيَّةِ بِهَا وَمَعَ ذَلِكَ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ خَلْفِ الْوَعْدِ. وَقَدْ قَالُوا إنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثَّمَنِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ نَصًّا، فَأَمَّا الْفَقِيرُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُشْرَكَ فِيهَا لِأَنَّهُ أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ بِالشِّرَاءِ لِلْأُضْحِيَّةِ فَتَعَيَّنَتْ لِلْوُجُوبِ بَدَائِعُ وَغَايَةُ الْبَيَانِ لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ سَوَّى بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ ثُمَّ حَكَى التَّفْصِيلَ عَنْ بَعْضِهِمْ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ أَيْ إنْ نَوَى وَقْتَ الشِّرَاءِ الِاشْتِرَاكَ صَحَّ اسْتِحْسَانًا وَإِلَّا لَا) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَالْوَاجِبُ إسْقَاطُهُ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ الاستحسانية أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِيُضَحِّيَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا، وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ قَوْلِهِ اسْتِحْسَانًا وَذَا قَبْلَ الشِّرَاءِ أَحَبُّ. وَفِي الْهِدَايَةِ: وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الشِّرَاءِ لِيَكُونَ أَبْعَدَ عَنْ الْخِلَافِ وَعَنْ صُورَةِ الرُّجُوعِ فِي الْقُرْبَةِ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ لَمْ يَنْوِ عِنْدَ الشِّرَاءِ ثُمَّ أَشْرَكَهُمْ فَقَدْ كَرِهَهُ أَبُو حَنِيفَةَ.
أَقُولُ: وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ الْهَدْيِ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعْزُوًّا إلَى الْأَصْلِ وَالْمَبْسُوطِ: إذَا اشْتَرَى بَدَنَةً لِمُتْعَةٍ مَثَلًا ثُمَّ أَشْرَكَ فِيهَا سِتَّةً بَعْدَمَا أَوْجَبَهَا لِنَفْسِهِ خَاصَّةً لَا يَسَعُهُ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْجَبَهَا صَارَ الْكُلُّ وَاجِبًا بَعْضُهَا بِإِيجَابِ الشَّرْعِ وَبَعْضُهَا بِإِيجَابِهِ، فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثَّمَنِ، وَإِنْ نَوَى أَنْ يُشْرِكَ فِيهَا سِتَّةً أَجْزَأَتْهُ لِأَنَّهُ مَا أَوْجَبَ الْكُلَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالشِّرَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ عِنْدَ الشِّرَاءِ وَلَكِنْ لَمْ يُوجِبْهَا حَتَّى شَرَّك السِّتَّةَ جَازَ. وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الشِّرَاءِ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمْ بِأَمْرِ الْبَاقِينَ حَتَّى تَثْبُتَ الشَّرِكَةُ فِي الِابْتِدَاءِ اهـ وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْفَقِيرِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ أَوْجَبَهَا بِالنَّذْرِ، أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَيُقْسَمُ اللَّحْمُ) اُنْظُرْ هَلْ هَذِهِ الْقِسْمَةُ مُتَعَيِّنَةٌ أَوْ لَا، حَتَّى لَوْ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ وَلِزَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ الْكِبَارِ بَدَنَةً وَلَمْ يَقْسِمُوهَا تُجْزِيهِمْ أَوْ لَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْإِرَاقَةُ وَقَدْ حَصَلَتْ. وَفِي فَتَاوَى الْخُلَاصَةِ وَالْفَيْضِ: تَعْلِيقُ الْقِسْمَةِ عَلَى إرَادَتِهِمْ، وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا سَبَقَ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِمْ فَقِيرٌ وَالْبَاقِي أَغْنِيَاءُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَخْذُ نَصِيبِهِ لِيَتَصَدَّقَ بِهِ اهـ ط. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ شَرْطِ الْقِسْمَةِ إنْ فُعِلَتْ لَا أَنَّهَا شَرْطٌ، لَكِنْ فِي اسْتِثْنَائِهِ الْفَقِيرَ نَظَرٌ إذْ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ كَمَا يَأْتِي، نَعَمْ النَّاذِرُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَا جُزَافًا) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ، وَلَوْ حَلَّلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: أَمَّا عَدَمُ جَوَازِ الْقِسْمَةِ مُجَازَفَةً فَلِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَاللَّحْمُ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا فَلَا يَجُوزُ تَمْلِيكُهُ مُجَازَفَةً.
وَأَمَّا عَدَمُ جَوَازِ التَّحْلِيلِ فَلِأَنَّ الرِّبَا لَا يَحْتَمِلُ الْحِلَّ بِالتَّحْلِيلِ، وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْهِبَةِ وَهِبَةُ الْمَشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لَا تَصِحُّ اهـ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَلَا يَحِلُّ لِفَسَادِ الْمُبَادَلَةِ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ