أَنَّ الصَّحِيحَ اعْتِبَارُ الِاشْتِبَاهِ فَقَطْ. قُلْت: وَفِي الْأَشْبَاهِ وَزَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ وَمِفْتَاحِ السَّعَادَةِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ. وَفِي النَّهْرِ عَنْ الزَّادِ أَنَّهُ اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ.
(وَصَحَّ اقْتِدَاءُ مُتَوَضِّئٍ) لَا مَاءِ مَعَهُ (بِمُتَيَمِّمٍ) وَلَوْ مَعَ مُتَوَضِّئٍ بِسُؤْرِ حِمَارٍ مُجْتَبًى (وَغَاسِلٍ بِمَاسِحٍ) وَلَوْ عَلَى جَبِيرَةٍ (وَقَائِمٍ بِقَاعِدٍ) يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ؛ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى آخِرَ صَلَاتِهِ قَاعِدًا وَهُمْ قِيَامٌ وَأَبُو بَكْرٍ يُبَلِّغُهُمْ
ــ
رد المحتار
فَقَدْ تَحَرَّرَ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَكَانِ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَلَوْ بِلَا اشْتِبَاهٍ، وَأَنَّهُ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ اتَّحَدَ الْمَكَانُ: ثُمَّ رَأَيْت الرَّحْمَتِيَّ قَرَّرَ كَذَلِكَ فَاغْتَنِمْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ أَنَّ الصَّحِيحَ اعْتِبَارُ الِاشْتِبَاهِ فَقَطْ) أَيْ وَلَا عِبْرَةَ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُرَادٍ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَكَانِ مَانِعٌ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْحَائِطَ يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ وَرِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ، فَقِيلَ إنَّهُ بِإِمْكَانِ الْوُصُولِ مِنْهُ وَعَدَمُهُ.
وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ اعْتِبَارَ الِاشْتِبَاهِ وَعَدَمِهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَدَّمْنَاهُ أَيْضًا عَنْ مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ وَالْبَدَائِعِ. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ مُتَابَعَةٌ وَمَعَ الِاشْتِبَاهِ لَا يُمْكِنُهُ الْمُتَابَعَةُ. وَاَلَّذِي يُصَحِّحُ هَذَا الِاخْتِيَارَ مَا رَوَيْنَاهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ» وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ مَا كَانُوا مُتَمَكِّنِينَ مِنْ الْوُصُولِ إلَيْهِ فِي الْحُجْرَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَمِفْتَاحِ السَّعَادَةِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ زِيَادَةُ: وَمَجْمَعِ الْفَتَاوَى وَالنِّصَابِ وَالْخَانِيَّةِ
(قَوْلُهُ وَصَحَّ اقْتِدَاءُ مُتَوَضِّئٍ بِمُتَيَمِّمٍ) أَيْ عِنْدَهُمَا، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخَلِيفَةَ عِنْدَهُمَا بَيْنَ الْآلَتَيْنِ وَهُمَا الْمَاءُ وَالتُّرَابُ وَالطَّهَارَتَانِ سَوَاءٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخَلِيفَةَ عِنْدَهُ بَيْنَ الطَّهَارَتَيْنِ، فَيَلْزَمُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ، وَتَمَامُهُ فِي الْأُصُولِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَا مَاءَ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْمُقْتَدِي؛ أَمَّا لَوْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ، وَهَذَا الْقَيْدُ مَبْنِيٌّ عَلَى فَرْعٍ إذَا رَأَى الْمُتَوَضِّئُ الْمُقْتَدِيَ بِمُتَيَمِّمٍ مَاءً فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَرَهُ الْإِمَامُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِاعْتِقَادِهِ فَسَادَ صَلَاةِ إمَامِهِ لِوُجُودِ الْمَاءِ. وَعِنْدَ زُفَرَ لَا تَفْسُدُ، وَيَنْبَغِي حَمْلُ الْفَسَادِ عَلَى مَا إذَا ظَنَّ عِلْمَ إمَامِهِ بِهِ لِأَنَّ اعْتِقَادَهُ فَسَادَ صَلَاةِ إمَامِهِ بِذَلِكَ، كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَأَقَرَّهُ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ، وَنَازَعَهُ فِي النَّهْرِ، وَتَبِعَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ بِأَنَّ الزَّيْلَعِيَّ عَلَّلَ الْبُطْلَانَ بِأَنَّ إمَامَهُ قَادِرٌ عَلَى الْمَاءِ بِإِخْبَارِهِ اهـ أَيْ فَكَانَ اعْتِقَادُهُ فَسَادَ صَلَاةِ إمَامِهِ مَبْنِيًّا عَلَى الْقُدْرَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ فِي الْحِلْيَةِ تَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا كَانَ تَيَمُّمُهُ لِفَقْدِ الْمَاءِ، أَمَّا لَوْ كَانَ لِعَجْزِهِ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ مُطْلَقًا لِأَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ حِينَئِذٍ لَا يُبْطِلُ تَيَمُّمَهُ. تَنْبِيهٌ
ذَكَرَ فِي النَّهْرِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَسَادِ هُنَا فَسَادُ الْوَصْفِ، حَتَّى لَوْ قَهْقَهَةَ الْمُقْتَدِي انْتَقَضَ وُضُوءُهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ قَالَ: وَيَنْبَغِي عَلَى مَا اخْتَارَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَنْ يَبْطُلَ الْأَصْلُ أَيْضًا إذْ الْفَسَادُ بِفَقْدِ شَرْطٍ وَهُوَ الطَّهَارَةُ اهـ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَعَ مُتَوَضِّئٍ بِسُؤْرِ حِمَارٍ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمُتَيَمِّمُ جَامِعًا بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْوُضُوءِ بِسُؤْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ، وَلَا وَجْهَ لِلْمُبَالَغَةِ هُنَا، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ أَدَّاهَا بِالْوُضُوءِ أَوَّلًا لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي أَدَائِهَا ثَانِيًا بِالتَّيَمُّمِ وَحْدَهُ، لِعَدَمِ تَحَقُّقِ أَدَاءِ الْفَرْضِ بِهِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلَى جَبِيرَةٍ) الْأَوْلَى قَوْلُهُ فِي الْخَزَائِنِ عَلَى خُفٍّ أَوْ جَبِيرَةٍ، إذْ لَا وَجْهَ لِلْمُبَالَغَةِ هُنَا أَيْضًا، لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ، لِأَنَّهُ كَالْغُسْلِ لِمَا تَحْتَهُ. عَلَى أَنَّهُ اسْتَبْعَدَ فِي النَّهْرِ شُمُولَ مَاسِحٍ لَهُ فَجَعَلَهُ مَفْهُومًا بِالْأَوْلَى: أَيْ فَيَدْخُلُ دَلَالَةً لَا مَنْطُوقًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَائِمٍ بِقَاعِدٍ) أَيْ قَائِمٍ رَاكِعٍ سَاجِدٍ أَوْ مُومٍ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَقَيَّدَ الْقَاعِدَ بِكَوْنِهِ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُومِيًا لَمْ يَجُزْ اتِّفَاقًا، وَالْخِلَافُ أَيْضًا فِيمَا عَدَا النَّفَلَ؛ أَمَّا فِيهِ فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا وَلَوْ فِي التَّرَاوِيحِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ)