وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ رَكْعَتَا السَّفَرِ وَالْقُدُومِ مِنْهُ.
وَصَلَاةُ اللَّيْلِ
ــ
رد المحتار
مَطْلَبٌ فِي رَكْعَتَيْ السَّفَرِ
(قَوْلُهُ رَكْعَتَا السَّفَرِ وَالْقُدُومِ مِنْهُ) عَنْ مِقْطَمِ بْنِ الْمِقْدَامِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا خَلَّفَ أَحَدٌ عِنْدَ أَهْلِهِ أَفْضَلَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ يَرْكَعُهُمَا عِنْدَهُمْ حِينَ يُرِيدُ سَفَرًا» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ. وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقْدَمُ مِنْ السَّفَرِ إلَّا نَهَارًا فِي الضُّحَى، فَإِذَا قَدِمَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. وَمُفَادُهُ اخْتِصَاصُ صَلَاةِ رَكْعَتَيْ السَّفَرِ بِالْبَيْتِ، وَرَكْعَتَيْ الْقُدُومِ مِنْهُ بِالْمَسْجِدِ وَبِهِ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ.
مَطْلَبٌ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ.
(قَوْلُهُ وَصَلَاةُ اللَّيْلِ) أَقُولُ: هِيَ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَنُورِ الْإِيضَاحِ، وَقَدْ صَرَّحَتْ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ بِفَضْلِهَا وَالْحَثِّ عَلَيْهَا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَمِنْهَا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا «لَا بُدَّ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَلَوْ حَلْبَ شَاةٍ، وَمَا كَانَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَهُوَ مِنْ اللَّيْلِ» وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ هَذِهِ السُّنَّةُ تَحْصُلُ بِالتَّنَفُّلِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ قَبْلَ النَّوْمِ. اهـ.
قُلْت: قَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْحِلْيَةِ، ثُمَّ قَالَ فِيهَا بَعْدَ كَلَامٍ: ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ الْمَحْثُوثَ عَلَيْهَا هِيَ التَّهَجُّدُ. وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ فِي الِاصْطِلَاحِ التَّطَوُّعُ بَعْدَ النَّوْمِ، وَأَيَّدَ بِمَا فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «يَحْسَبُ أَحَدُكُمْ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يُصَلِّي حَتَّى يُصْبِحَ أَنَّهُ قَدْ تَهَجَّدَ، إنَّمَا التَّهَجُّدُ الْمَرْءُ يُصَلِّي الصَّلَاةَ بَعْدَ رَقْدَةٍ» غَيْرَ أَنَّ فِي سَنَدِهِ ابْنَ لَهِيعَةَ وَفِيهِ مَقَالٌ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ رُجْحَانُ حَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ تَشْرِيعٌ قَوْلِيٌّ مِنْ الشَّارِعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ هَذَا، وَبِهِ يَنْتَفِي مَا عَنْ أَحْمَدَ مِنْ قَوْلِهِ قِيَامُ اللَّيْلِ مِنْ الْمَغْرِبِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ اهـ مُلَخَّصًا.
أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ حَدِيثَ الطَّبَرَانِيِّ الْأَوَّلَ بَيَانٌ لِكَوْنِ وَقْتِهِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، حَتَّى لَوْ نَامَ ثُمَّ تَطَوَّعَ قَبْلَهَا لَا يَحْصُلُ السُّنَّةُ، فَيَكُونُ حَدِيثُ الطَّبَرَانِيِّ الثَّانِي مُفَسِّرًا لِلْأَوَّلِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إثْبَاتِ التَّعَارُضِ وَالتَّرْجِيحِ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا وَلِأَنَّهُ يَكُونُ جَارِيًا عَلَى الِاصْطِلَاحِ وَلِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ إطْلَاقِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ وَلِأَنَّ التَّهَجُّدَ إزَالَةُ النَّوْمِ بِتَكَلُّفٍ مِثْلَ: تَأَثَّمَ أَيْ تَحَفَّظَ عَنْ الْإِثْمِ؛ نَعَمْ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَقِيَامُ اللَّيْلِ أَعَمُّ مِنْ التَّهَجُّدِ، وَبِهِ يُجَابُ عَمَّا أُورِدَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ مَا مَرَّ أَنَّ التَّهَجُّدَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالتَّطَوُّعِ؛ فَلَوْ نَامَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى فَوَائِتَ لَا يُسَمَّى تَهَجُّدًا وَتَرَدَّدَ فِيهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ.
قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَقْيِيدَهُ بِالتَّطَوُّعِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ وَأَنَّهُ يَحْصُلُ بِأَيِّ صَلَاةٍ كَانَتْ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ «وَمَا كَانَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَهُوَ مِنْ اللَّيْلِ» ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَهُ صَلَاةَ اللَّيْلِ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ مَشَى عَلَيْهِ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ. وَقَدْ تَرَدَّدَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي كَوْنِهِ سُنَّةً أَوْ مَنْدُوبًا، لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ الْقَوْلِيَّةَ تُفِيدُ النَّدْبَ؛ وَالْمُوَاظَبَةُ الْفِعْلِيَّةُ تُفِيدُ السُّنِّيَّةَ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا وَاظَبَ عَلَى تَطَوُّعٍ يَصِيرُ سُنَّةً؛ لَكِنَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَانَ تَطَوُّعًا فِي حَقِّهِ، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كَانَ فَرْضًا عَلَيْهِ فَلَا تُفِيدُ مُوَاظَبَتُهُ عَلَيْهِ السُّنِّيَّةَ فِي حَقِّنَا لَكِنَّ صَرِيحَ مَا فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ كَانَ فَرِيضَةً ثُمَّ نُسِخَ، هَذَا خُلَاصَةُ مَا ذَكَرَهُ " وَمُفَادُهُ اعْتِمَادُ السُّنِّيَّةِ فِي حَقِّنَا لِأَنَّهُ