وَأَنَّ الْحُكْمَ الْمُلَفَّقَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ التَّقْلِيدِ بَعْدَ الْعَمَلِ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ فِي الْمَذْهَبِ، وَأَنَّ الْخِلَافَ خَاصٌّ بِالْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ، وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ فَلَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ أَصْلًا كَمَا فِي الْقُنْيَةِ.
ــ
رد المحتار
مُحَمَّدٍ مَعَ وُجُودِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إذَا لَمْ يُصَحَّحْ أَوْ يَقْوَ وَجْهُهُ، وَأَوْلَى مِنْ هَذَا بِالْبُطْلَانِ الْإِفْتَاءُ بِخِلَافِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إذَا لَمْ يُصَحَّحْ وَالْإِفْتَاءُ بِالْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ عَنْهُ. اهـ. ح.
(قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْحُكْمَ الْمُلَفَّقَ) الْمُرَادُ بِالْحُكْمِ الْحُكْمُ الْوَضْعِيُّ كَالصِّحَّةِ.
مِثَالُهُ: مُتَوَضِّئٌ سَالَ مِنْ بَدَنِهِ دَمٌ وَلَمَسَ امْرَأَةً ثُمَّ صَلَّى فَإِنَّ صِحَّةَ هَذِهِ الصَّلَاةِ مُلَفَّقَةٌ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْحَنَفِيِّ وَالتَّلْفِيقُ بَاطِلٌ، فَصِحَّتُهُ مُنْتَفِيَةٌ. اهـ. ح. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ التَّقْلِيدِ وَالرُّجُوعِ عَنْهُ.
(قَوْلُهُ: وَأَنَّ الرُّجُوعَ إلَخْ) صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي تَحْرِيرِهِ، وَمِثْلُهُ فِي أُصُولِ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَجَمْعِ الْجَوَامِعِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ كَمَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ وَالرَّمْلِيُّ فِي شَرْحَيْهِمَا عَلَى الْمِنْهَاجِ وَابْنُ قَاسِمٍ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى مَا إذَا بَقِيَ مِنْ آثَارِ الْفِعْلِ السَّابِقِ أَثَرٌ يُؤَدِّي إلَى تَلْفِيقِ الْعَمَلِ بِشَيْءٍ لَا يَقُولُ بِهِ مِنْ الْمَذْهَبَيْنِ، كَتَقْلِيدِ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ، وَمَالِكٍ فِي طَهَارَةِ الْكَلْبِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَمَا لَوْ أَفْتَى بِبَيْنُونَةِ زَوْجَتِهِ بِطَلَاقِهَا مُكْرَهًا ثُمَّ نَكَحَ أُخْتَهَا مُقَلِّدًا لِلْحَنَفِيِّ بِطَلَاقِ الْمُكْرَهِ ثُمَّ أَفْتَاهُ شَافِعِيٌّ بِعَدَمِ الْحِنْثِ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَنْ يَطَأَ الْأُولَى مُقَلِّدًا لِلشَّافِعِيِّ وَالثَّانِيَةَ مُقَلِّدًا لِلْحَنَفِيِّ، أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْعِ التَّقْلِيدِ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ بِعَيْنِهَا لَا مِثْلِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ السُّبْكِيُّ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ صَلَّى ظُهْرًا بِمَسْحِ رُبُعِ الرَّأْسِ مُقَلِّدًا لِلْحَنَفِيِّ فَلَيْسَ لَهُ إبْطَالُهَا بِاعْتِقَادِ لُزُومِ مَسْحِ الْكُلِّ مُقَلِّدًا لِلْمَالِكِيِّ. وَأَمَّا لَوْ صَلَّى يَوْمًا عَلَى مَذْهَبٍ وَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ يَوْمًا آخَرَ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ، عَلَى أَنَّ فِي دَعْوَى الِاتِّفَاقِ نَظَرًا، فَقَدْ حُكِيَ الْخِلَافُ، فَيَجُوزُ اتِّبَاعُ الْقَائِلِ بِالْجَوَازِ كَذَا أَفَادَهُ الْعَلَّامَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي الْعِقْدِ الْفَرِيدِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ فُرُوعٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ صَرِيحَةٍ بِالْجَوَازِ وَكَلَامٍ طَوِيلٍ: فَتَحَصَّلَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْإِنْسَانِ الْتِزَامُ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِمَا يُخَالِفُ مَا عَمِلَهُ عَلَى مَذْهَبِهِ مُقَلِّدًا فِيهِ غَيْرَ إمَامِهِ مُسْتَجْمِعًا شُرُوطَهُ وَيَعْمَلُ بِأَمْرَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ فِي حَادِثَتَيْنِ لَا تَعَلُّقَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِالْأُخْرَى، وَلَيْسَ لَهُ إبْطَالُ عَيْنِ مَا فَعَلَهُ بِتَقْلِيدِ إمَامٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ إمْضَاءَ الْفِعْلِ كَإِمْضَاءِ الْقَاضِي لَا يُنْقَضُ. وَقَالَ أَيْضًا: إنَّ لَهُ التَّقْلِيدَ بَعْدَ الْعَمَلِ كَمَا إذَا صَلَّى ظَانًّا صِحَّتَهَا عَلَى مَذْهَبِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ بُطْلَانُهَا فِي مَذْهَبِهِ وَصِحَّتُهَا عَلَى مَذْهَبِ غَيْرِهِ فَلَهُ تَقْلِيدُهُ، وَيَجْتَزِي بِتِلْكَ الصَّلَاةِ عَلَى مَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: إنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ صَلَّى الْجُمُعَةَ مُغْتَسِلًا مِنْ الْحَمَّامِ ثُمَّ أُخْبِرَ بِفَأْرَةٍ مَيِّتَةٍ فِي بِئْرِ الْحَمَّامِ فَقَالَ نَأْخُذُ بِقَوْلِ إخْوَانِنَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا» . اهـ.
(قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْخِلَافَ) أَيْ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ فِيمَا إذَا قَضَى بِغَيْرِ رَأْيِهِ عَمْدًا هَلْ يَنْفُذُ فَعِنْدَهُ، نَعَمْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَعِنْدَهُمَا لَا كَمَا فِي التَّحْرِيرِ. وَقَالَ شَارِحُهُ: نَصَّ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُحِيطِ عَلَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا بِعَدَمِ النَّفَاذِ فِي الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَالْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ مَأْمُورٌ بِالْعَمَلِ بِمُقْتَضَى ظَنِّهِ إجْمَاعًا وَهَذَا خِلَافُ مُقْتَضَى ظَنِّهِ. اهـ.
وَقَدْ اسْتَشْكَلَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، عَلَى قَوْلِ الْأُصُولِيِّينَ إنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا اجْتَهَدَ فِي وَاقِعَةٍ بِحُكْمٍ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ فِيهَا اتِّفَاقًا، وَالْخِلَافُ فِي تَقْلِيدِهِ قَبْلَ اجْتِهَادِهِ فِيهَا، وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْمَنْعِ، فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُبْطِلُ دَعْوَى الِاتِّفَاقِ وَأَجَابَ فِي التَّحْرِيرِ بِأَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ بِالنَّفَاذِ لَا يُوجِبُ حَمْلَ الْإِقْدَامِ عَلَى هَذَا الْقَضَاءِ، نَعَمْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي الْحِلِّ وَيَجِبُ تَرْجِيحُ رِوَايَةِ عَدَمِهِ. اهـ. وَحِينَئِذٍ فَلَا إشْكَالَ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ إلَخْ) نَقَلَهُ