وَهَذَا إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ غَيْرُ مَا اسْتَهْلَكَهُ بِالْخَلْطِ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ يُوَفِّي دَيْنَهُ وَإِلَّا فَلَا زَكَاةَ، كَمَا لَوْ كَانَ الْكُلُّ خَبِيثًا كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ. وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ:
ــ
رد المحتار
مَالٌ مُشْتَرَكٌ وَإِنَّمَا يُورَثُ عَنْهُ حِصَّةُ الْمَيِّتِ مِنْهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَهَذَا إلَخْ) الْإِشَارَةُ إلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ (قَوْلُهُ: مُنْفَصِلٌ عَنْهُ) الَّذِي فِي النَّهْرِ عَنْ الْحَوَاشِي: مَحَلُّ مَا ذَكَرُوهُ مَا إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ غَيْرُ مَا اسْتَهْلَكَهُ بِالْخَلْطِ يُفْصَلُ عَنْهُ فَلَا يُحِيطُ الدَّيْنُ بِمَالِهِ. اهـ.
أَيْ يُفْصَلُ عَنْهُ بِمَا يَبْلُغُ نِصَابًا (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ كَانَ الْكُلُّ خَبِيثًا) فِي الْقُنْيَةِ لَوْ كَانَ الْخَبِيثُ نِصَابًا لَا يَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ وَاجِبُ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِ فَلَا يُفِيدُ إيجَابَ التَّصَدُّقِ بِبَعْضِهِ. اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي النَّهْرِ) أَيْ أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ وَمَلَكَ نِصَابَ حَوْلِيٍّ، وَمِثْلُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ بَحْثًا؛ وَفِي الْفَصْلِ الْعَاشِرِ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ فَتَاوَى الْحُجَّةِ: مَنْ مَلَكَ أَمْوَالًا غَيْرَ طَيِّبَةٍ أَوْ غَصَبَ أَمْوَالًا وَخَلَطَهَا مَلَكَهَا بِالْخَلْطِ وَيَصِيرُ ضَامِنًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَاهَا نِصَابٌ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا وَإِنْ بَلَغَتْ نِصَابًا؛ لِأَنَّهُ مَدْيُونٌ وَمَالُ الْمَدْيُونِ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ عِنْدَنَا. اهـ.
فَأَفَادَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَاهَا نِصَابٌ إلَخْ أَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ لَهُ نِصَابٌ سِوَاهَا، وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا اسْتَشْكَلَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ وَإِنْ مَلَكَهُ بِالْخَلْطِ فَهُوَ مَشْغُولٌ بِالدَّيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ الزَّكَاةُ. اهـ.
لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الزَّكَاةَ حِينَئِذٍ إنَّمَا تَجِبُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا لَا فِيهَا.
لَا يُقَالُ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ سِوَاهَا مِمَّا لَا زَكَاةَ فِيهِ كَدُورِ السُّكْنَى وَثِيَابِ الْبِذْلَةِ مِمَّا يَبْلُغُ مِقْدَارَ مَا عَلَيْهِ أَوْ يَزِيدُ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصَابٌ آخَرُ سِوَاهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّهُ لَمَّا خَلَطَهَا مَلَكَهَا وَصَارَ مِثْلُهَا دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ لَا عَيْنَهَا، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الدَّيْنَ يُصْرَفُ أَوَّلًا إلَى مَالِ الزَّكَاةِ دُونَ غَيْرِهِ، حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ عَلَى خَادِمٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَلَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَخَادِمٌ صُرِفَ دَيْنُ الْمَهْرِ إلَى الْمِائَتَيْنِ دُونَ الْخَادِمِ: أَيْ فَلَوْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْمِائَتَيْنِ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ لِاشْتِغَالِهَا بِالدَّيْنِ مَعَ وُجُودِ مَا يَفِي بِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَهُوَ الْخَادِمُ، وَهُنَا كَذَلِكَ مَا لَمْ يَمْلِكْ نِصَابًا زَائِدًا نَعَمْ تَظْهَرُ الثَّمَرَةُ فِيمَا إذَا أَبْرَأَهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُمْ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْر عَنْ الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَقَالَ وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ يَجِبُ حِفْظُهُ. اهـ.
أَوْ إذَا صَالَحَ غُرَمَاءَهُ عَلَى عَقَارٍ مَثَلًا فَيَبْقَى مَا غَصَبَهُ سَالِمًا عَنْ الدَّيْنِ فَتَجِبُ زَكَاتُهُ.
وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الْإِشْكَالِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَصْحَابُ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ إذَا كَانَ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ وَبِجَهْلِ أَصْحَابِهِ لَا يَبْقَى لَهُ مُطَالِبٌ فَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَهَا قُلْت: لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْ الْقُنْيَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ مَا وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِكُلِّهِ لَا يُفِيدُ التَّصَدُّقَ بِبَعْضِهِ؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ إنْ عَلِمْت أَصْحَابَهُ أَوْ وَرَثَتَهُمْ وَجَبَ رَدُّهُ عَلَيْهِمْ وَإِلَّا وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِهِ.
وَأَيْضًا فَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْأُمَرَاءَ بِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ التَّبِعَاتِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ غَالِبَ غُرَمَائِهِمْ مَجْهُولُونَ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ الْمُوصَى بِهِ لِلْفُقَرَاءِ لَوْ دَفَعَهُ إلَى السُّلْطَانِ الْجَائِرِ سَقَطَ، فَجَوَازُ أَخْذِهِ الزَّكَاةَ لِفَقْرِهِ يُنَافِي وُجُوبَهَا عَلَيْهِ وَإِنْ جَازَ أَخْذُهُ لَهَا مَعَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ لِعِلَّةٍ أُخْرَى كَعَدَمِ وُصُولِهِ إلَى مَا لَهُ كَابْنِ السَّبِيلِ وَمَنْ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ تَأَمَّلْ.
مَطْلَبٌ فِي التَّصَدُّقِ مِنْ الْمَالِ الْحَرَامِ (قَوْلُهُ: وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ إلَخْ) فِيهِ دَفْعٌ لِمَا عَسَى يُورَدُ عَلَى قَوْلِ الْمَتْنِ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ مِنْ أَنَّهُ مَالٌ خَبِيثٌ فَكَيْفَ يُزَكَّى مِنْهُ، لَكِنْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا تَجِبُ زَكَاتُهُ إلَّا إذَا اسْتَبْرَأَ مِنْ صَاحِبِهِ أَوْ صَالَحَ عَنْهُ فَيَزُولُ خُبْثُهُ، نَعَمْ لَوْ أَخْرَجَ