(وَ) اعْلَمْ أَنَّ الدُّيُونَ عِنْدَ الْإِمَامِ ثَلَاثَةٌ: قَوِيٌّ، وَمُتَوَسِّطٌ، وَضَعِيفٌ؛ (فَتَجِبُ) زَكَاتُهَا إذَا تَمَّ نِصَابًا وَحَالَ الْحَوْلُ، لَكِنْ لَا فَوْرًا بَلْ (عِنْدَ قَبْضِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا مِنْ الدَّيْنِ) الْقَوِيِّ كَقَرْضٍ (وَبَدَلِ مَالِ تِجَارَةٍ) فَكُلَّمَا قَبَضَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ (وَ) عِنْدَ قَبْضِ (مِائَتَيْنِ مِنْهُ لِغَيْرِهَا) أَيْ مِنْ بَدَلِ مَالٍ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ وَهُوَ الْمُتَوَسِّطُ كَثَمَنِ سَائِمَةٍ وَعَبِيدِ خِدْمَةٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا هُوَ مَشْغُولٌ بِحَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ كَطَعَامٍ وَشَرَابٍ وَأَمْلَاكٍ.
وَيُعْتَبَرُ مَا مَضَى مِنْ الْحَوْلِ قَبْلَ
ــ
رد المحتار
بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ شَارَكَهُ فِيهَا لَا تُمْكِنُ بِإِتْلَافِهَا، بِخِلَافِ قِسْمَةِ الثَّمَانِينَ نِصْفَيْنِ.
(قَوْلُهُ: عِنْدَ الْإِمَامِ) وَعِنْدَهُمَا الدُّيُونُ كُلُّهَا سَوَاءٌ تَجِبُ زَكَاتُهَا، وَيُؤَدِّي مَتَى قَبَضَ شَيْئًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا إلَّا دَيْنَ الْكِتَابَةِ وَالسِّعَايَةِ وَالدِّيَةِ فِي رِوَايَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: إذَا تَمَّ نِصَابًا) الضَّمِيرُ فِي تَمَّ يَعُودُ لِلدَّيْنِ الْمَفْهُومِ مِنْ الدُّيُونِ، وَالْمُرَادُ إذَا بَلَغَ نِصَابًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَا عِنْدَهُ مِمَّا يَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ (قَوْلُهُ: وَحَالَ الْحَوْلُ) أَيْ وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِهِ فِي الْقَوِيِّ وَالْمُتَوَسِّطِ وَبَعْدَهُ الضَّعِيفُ ط (قَوْلُهُ: عِنْدَ قَبْضِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا) قَالَ فِي الْمُحِيطِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ فِي الْكُسُورِ مِنْ النِّصَابِ الثَّانِي عِنْدَهُ مَا لَمْ يَبْلُغْ أَرْبَعِينَ لِلْحَرَجِ فَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ الْأَدَاءُ مَا لَمْ يَبْلُغْ أَرْبَعِينَ لِلْحَرَجِ.
وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى: رَجُلٌ لَهُ ثَلَثُمِائَةِ دِرْهَمٍ دَيْنٌ حَالَ عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ فَقَبَضَ مِائَتَيْنِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُزَكِّي لِلسَّنَةِ الْأُولَى خَمْسَةً وَلِلثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ أَرْبَعَةً أَرْبَعَةً مِنْ مِائَةٍ وَسِتِّينَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْفَضْلِ؛ لِأَنَّهُ دُونَ الْأَرْبَعِينَ. اهـ.
مَطْلَبٌ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي دَيْنِ الْمُرْصَدِ (قَوْلُهُ: كَقَرْضٍ) قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ مِنْهُ مَالَ الْمُرْصَدِ الْمَشْهُورِ فِي دِيَارِنَا؛ لِأَنَّهُ إذَا أَنْفَقَ الْمُسْتَأْجِرُ لِدَارِ الْوَقْفِ عَلَى عِمَارَتِهَا الضَّرُورِيَّةِ بِأَمْرِ الْقَاضِي لِلضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إلَيْهِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ اسْتِقْرَاضِ الْمُتَوَلِّي مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ، فَإِذَا قَبَضَ ذَلِكَ كُلَّهُ أَوْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا مِنْهُ وَلَوْ بِاقْتِطَاعِ ذَلِكَ مِنْ أُجْرَةِ الدَّارِ تَجِبُ زَكَاتُهُ لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ (قَوْلُهُ: فَكُلَّمَا قَبَضَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ) هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَيَتَرَاخَى الْأَدَاءُ إلَى أَنْ يَقْبِضَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَفِيهَا دِرْهَمٌ وَكَذَا فِيمَا زَادَ بِحِسَابِهِ. اهـ.
أَيْ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ مِنْ أَرْبَعِينَ ثَانِيَةٍ وَثَالِثَةٍ إلَى أَنْ يَبْلُغَ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَلِذَا عَبَّرَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فَكَمَا إلَخْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ مِنْ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ بَعْضِ الْمُحَشِّينَ حَيْثُ زَادَ بَعْدَ عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَفِيمَا زَادَ بِحِسَابِهِ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ مُطْلَقُ الزِّيَادَةِ فِي الْكُسُورِ، وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ الْإِمَامِ كَمَا عَلِمْته مِمَّا نَقَلْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْمُحِيطِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ بَدَلِ مَالٍ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِنْهُ عَائِدٌ إلَى بَدَلِ وَفِي لِغَيْرِهَا إلَى التِّجَارَةِ، وَمِثْلُ بَدَلِ التِّجَارَةِ الْقَرْضُ (قَوْلُهُ: كَثَمَنِ سَائِمَةٍ) جَعَلَهَا مِنْ الدَّيْنِ الْمُتَوَسِّطِ تَبَعًا لِلْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ لِتَعْرِيفِهِمْ لَهُ بِمَا هُوَ بَدَلُ مَا لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ، وَجَعَلَهَا ابْنُ مَلَكٍ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ مِنْ الْقَوِيِّ، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ، وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، حَيْثُ جَعَلَ الدَّيْنَ الَّذِي هُوَ بَدَلٌ عَنْ مَالٍ قِسْمَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَالُ لَوْ بَقِيَ فِي يَدِهِ تَجِبُ زَكَاتُهُ أَوْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ. اهـ.
فَبَدَلُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ هُوَ الدَّيْنُ الْقَوِيُّ، وَيَدْخُلُ فِيهِ ثَمَنُ السَّائِمَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ بَقِيَتْ فِي يَدِهِ يَجِبُ زَكَاتُهَا وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الْمُحِيطِ الدَّيْنُ الْقَوِيُّ مَا يَمْلِكُهُ بَدَلًا عَنْ مَالِ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ: بِحَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ) قَيَّدَ بِهِ اعْتِبَارًا بِمَا هُوَ الْأَحْرَى بِالْعَاقِلِ أَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَهُ سِوَى مَا هُوَ مَشْغُولٌ بِحَوَائِجِهِ، وَإِلَّا فَمَا لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ يَدْخُلُ فِيهِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَمَا أَفَادَهُ بِمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَأَمْلَاكٍ) مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ؛ لِأَنَّهُ جَمْعُ مِلْكٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ بِمَعْنَى مَمْلُوكٍ، هَذَا بِالنَّظَرِ إلَى اللُّغَةِ أَمَّا فِي الْعُرْفِ فَخَاصَّةً بِالْعَقَارِ فَيَكُونُ عَطْفَ مُبَايِنٍ. اهـ.
ح وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى طَعَامٍ أَوْ عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ مِمَّا هُوَ (قَوْلُهُ: وَيُعْتَبَرُ مَا مَضَى مِنْ الْحَوْلِ) أَيْ فِي الدَّيْنِ الْمُتَوَسِّطِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ، أَمَّا الْقَوِيُّ فَلَا خِلَافَ فِيهِ لِمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ بِحَوْلِ الْأَصْلِ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ حَتَّى يَقْبِضَ مِنْهُ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا.
أَمَّا الْمُتَوَسِّطُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ