إذاً على كلام الناظم أنه يثنى ويجمع العددي فتقول: ضربت ضربتين وضربات، ثنيت وجمعت، وهذا محل وفاق أنه جائز، والثاني: النوعي هل يثنى ويجمع؟ هذا محل خلاف، المشهور جوازه، وظاهر كلام سيبويه المنع، والصحيح جوازه قال تعالى: ((وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا)) الأحزاب:١٠ جُمع أو لا؟ الظُّنُونَ جاء بـ (أل) هذا مبين للنوع؛ لأن المحلى بـ (أل)، دائماً المصدر محلى بـ (أل) مبين للنوع، وهنا جمع باعتبار آحاده، حينئذٍ الظن يختلف، فلما اختلف وله أحاد وأفراد جُمع «وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ» المختلفة الممنوعة يعني، هذا يظن كذا، وهذا الآخر يظن، حينئذٍ نقول: هذه ظنون ((وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا)) الأحزاب:١٠ فلما جاء في القرآن، وجب أن نقول أنه جائز، وهو قول الجمهور أنه يثنى ويجمع، ولو خالف سيبويه في هذا.
وَثَنِّ وَاجْمَعْ غَيْرَهُ يعني غير المؤكِّد.
وَأَفْرِدَا: و (أفردن) نون التوكيد الخفيفة، وَأَفْرِدَا لماذا قال: وَأَفْرِدَا وهو معلوم أنه مفرد؟ تحصيل حاصل تتمة للبيت؟ لئلا يُتوهم أن الإفراد خاص بالمؤكِّد؛ لأنه قال:
وَمَا لِتَوْكِيدٍ فَوَحِّدْ –أفرد- وَثَنِّ وَاجْمَعْ غَيْرَهُ .. لو سكت لُتوهم أن غير المؤكِّد لا يُفرد، بل لا يكون إلا مثنًى أو جمعاً.
وَمَا لِتَوْكِيدٍ فَوَحِّدْ أَبَدَا، إذاً أفرد المؤكِّد، وَثَنِّ وَاجْمَعْ غَيْرَهُ مفهومه: أن غير المؤكِّد لا يفرد؛ دفعاً لهذا الوهم قال: وَأَفْرِدَا على الأصل، فنص عليه دفعاً لما يتوهم.
فـ أَفْرِدَا نص عليه وهو الأصل، دفع لما قد يتوهم أنه لا يجوز إفراده، بل الصواب أنه على الأصل.
قال الشارح: لا يجوز تثنية المصدر المؤكِّد لعامله ولا جمع، بل يجب إفراده، ضربت ضرباً، وذلك لأنه بمثابة تكرر الفعل: ضربت ضربت، والفعل لا يثنى ولا يجمع، وأما غير المؤكِّد وهو المبين للعدد والنوع فذكر المصنف أنه يجوز تثنيته وجمعه، فأما المبين للعدد فلا خلاف في جواز تثنيته وجمعه، وبعضهم خصه بالمختوم بتاء الوحدة ضربت ضربتين ضربات، مختوم بتاء الوحدة هذا مشهور ضربت ضربتين وضربات؛ لأنه كتمرة وكلمة، وأما المبين للنوع فالمشهور أنه يجوز تثنيته وجمعه إذا اختلفت أنواعه. لا بد من اختلاف الأنواع؛ لأنه إذا كان نوعاً واحداً يجمع بأي سبب؟ ويثنى بأي سبب؟ لا بد من الاختلاف، نحو سرت سيري زيدٍ الحسنَ والقبيحَ، (سيري زيد) ثنَّاه باعتبار أن زيداً له سيرين قبيح وحسن، والآية واضحة وبينة ((وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا)) الأحزاب:١٠، وظاهر كلام سيبويه أنه لا يجوز تثنيته ولا جمعه قياساً، بل يقتصر فيه على السماع، وهذا اختيار الشلوبين، والمشهور الجواز وهو أولى للآية السابقة.
وَحَذْفُ عَامِلِ الْمُؤَكِّدِ امْتَنَعْ ... وَفِي سِوَاهُ لِدَلِيلٍ مُتَّسَعْ
عامل المصدر على ثلاثة أقسام:
الأول: ممتنع الحذف، لا يجوز حذفه يجب ذكره.
الثاني: جائز الحذف.
الثالث: واجب الحذف.
من هذه الأبيات إلى آخر الباب، سيتحدث عن عامل المصدر. انتهينا من المصدر .. من المفعول المطلق، والكلام عن المفعول المطلق قصير عند النحاة.