وَإنْ شَرْطٌ فُقِدْ ... فَاجْرُرْهُ بِالْحَرْفِ، هل يتصور فقد شرط التعليل؟ لا يتصور، حينئذٍ وَإنْ شَرْطٌ فُقِدْ: المصدرية واتحاد الوقت واتحاد الفاعل، وأما التعليل لا يتصور أن يفقد من هذه الشروط؛ لأنه لا يجب جره بـ (اللام)، كيف يفقد التعليل ثم نوجب جره بحرف تعليل! هذا ممتنع، تناقض هذا، حينئذٍ نقول: وَإنْ شَرْطٌ فُقِدَ إلا التعليل، حينئذٍ لا بد من أن يكون موجوداً، وإلا لما وجب جره بـ (اللام).
فَاجْرُرْهُ بِالْحَرْفِ أو بـ (اللام)، وما يقوم مقامها، وهو: (من) و (في) و (الباء)، سرى زيد للماءِ أو للعشبِ، هذا (اللام)، ((كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ)) الحج:٢٢ مِنْ غَمٍّ، (من)، {إن امرأة دخلت النار في هرة حبستها}، إذاً: إن فقد شرطاً من هذه الشروط ما عدا التعليل وجب جره بـ (اللام)، أو ما يقوم مقامها.
ثم قال: وَلَيْسَ يَمْتَنِعْ مَعَ الشُّرُوطِ، ما هو الذي لا يمتنع؟ الجر أو النصب؟ الجر بالحرف -حرف التعليل-، وَلَيْسَ الذي هو: فاجرره بـ (الحرف) أو بـ (اللام)، ليس جره بـ (اللام) يمتنع –ممتنعاً-، متى؟ مع الشروط المذكورة بل يجوز، كقولك: لِزُهْدٍ ذَا قَنِعْ، ذا اسم إشارة، وقَنِعْ فعل ماضي، والفاعل مستتر، لِزُهْدٍ: ذا قنع زهداً، هذا الأصل، فهو مصدر معلل موافق لعامله في الوقت وفي الفاعل، الوقت واحد، القناعة والزهد في وقت واحد، والفاعل واحد، فحينئذٍ نقول: الأصل فيه أنه ينصب على المفعولية، ويجوز جره بـ (اللام)، وفيه جواز تقديم المفعول له على عامله، قال: لِزُهْدٍ ذَا قَنِعْ تقدم على العامل، فدل على جواز تقديم المفعول له على عامله منصوباً كان أو مجروراً، زهداً ذا قنع، ذا قنع زهداً، لزهد ذا قنع، ذا قنع لزهد، هذا أو ذاك، سواء كان منصوباً أو مجروراً يجوز تقديمه، والأصل فيه التأخير.
قال الشارح: المفعول له هو المصدر المفهم علة المشارك لعامله في الوقت والفاعل، نحو: جُدْ شُكْراً، فشكراً مصدر، وهو مفهم للتعليل، وضابط كونه مفهماً للتعليل أن يصح أن يقع في جواب لِمَ فعلت كذا؟
وَغَالِبُ الأَحَوَالِ أَنْ تَرَاهُ ... جوَابَ لِمْ فَعَلْتَ مَا تَهْوَاهُ
لأن المعنى جد لأجل الشكرِ، ومشاركٌ لعامله، وهو جد في الوقت؛ لأن زمن الشكرِ هو زمن الجود، وفي الفاعل؛ لأن فاعل الجود هو المخاطب، وهو فاعل الشكرِ، كذلك ضربت ابني تأديباً، فتأديباً مصدر وهو مفهم للتعليل، إذ يصح أن يقع في جواب لمَ فعلت الضرب؟ فهو مشاركٌ لضربت في الوقت والفاعل، وحكمه جواز النصب.