وَالنَّصْبُ إِنْ لَمْ يَجُزِ الْعَطْفُ أوجب أَوِ اعْتَقِدْ، هكذا أوَّله المكودي، أوجب أَوَّلَ الأول بطلبي، إذاً هو خبرٌ في معنى الطلب، إذاً حصل التطابق، .. عطف على يَجِبْ من عطف الإنشاء على الإخبار للضرورة، إما أن يقال بأنه للضرورة وبذلك أجاب الصبان في الحاشية بأنه ضرورة، أو يقال: جرياً على القول بجوازه، أو يَجِبْ في معنى أوجب -وهذا أولى-، يَجِبْ في معنى أوجب، فحينئذٍ عطف طلبي لفظاً ومعنىً على طلبي معنىً دون لفظٍ.
إذاً: عَلَفْتُها تِبْناً وَمَاءً، لا يجوز فيه الوجهان. قال الشارح: فماءً منصوب على المعية أو على إضمار فعل يليق به، -تجويز المعية هذا فيه كلام طويل- والتقدير وسقيتها ماءً بارداً، وكقوله تعالى: ((فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ)) يونس:٧١ هذا يمتنع أن يكون عطفاً، فقوله: شُرَكَاءَكُمْ، لا يجوز عطفه على أَمْرَكُمْ؛ لأن العطف -عطف النسق- على نية تكرار العامل، إذ لا يصح أن يقال: أجمعت شركائي، وإنما يقال: أجمعتُ أمري وجمعتُ، فرقٌ بين أجمع -هذا في المعنى- وجمعتُ -هذا في المحسوس-، والأمر معنوي والشركاء محسوس، فلا يقال: أجمعتُ أمري وجمعت شركائي، فشركائي منصوب على المعية، والتقدير -والله أعلم- فأجمِعوا أمركم مع شركاءكم، أو منصوب بفعل يليق به، والتقدير: فأجمعوا أمركم واجمعوا، أجمعوا بهمزة القطع، واجمعوا هذا أمرٌ من جمعتُ، شركاءكم.
إذاً الأقسام تكون ثلاثة في لجملة: قسم يجوز فيه الوجهان ويترجح العطف:
وَالْعَطْفُ إنْ يُمْكِنْ بِلاَ ضَعْفٍ أَحَقْ.
وقسم ثاني: يجوز فيه الوجهان والنصب أرجح: وَالنَّصْبُ مُخْتَارٌ لَدَى ضَعْفِ النَّسَقْ.
الثالث: ما يمتنع فيه العطف فيتعين فيه النصب، بقي قسم: وهو ما يتعين فيه العطف، ومثَّلنا له فيما إذا لم يسبق اللفظ عاملٌ لا فعل ولا شبه الفعل: كل رجل وضيعتُه نقول: هذا واجب العطف ولا يجوز فيه النصب على المعية لعدم تقدم الفعل وشبهه، كذلك اختصم زيدٌ وعمروٌ، واجب العطف ولا يجوز النصب هنا، بخلاف جاء زيدٌ وعمراً جائز، أما اختصم زيدٌ وعمروٌ لا؛ لأن الفعل هنا لا يقع من واحد، جاء زيدٌ وعمروٌ قبله أو بعده قلنا: يجب العطف ولا يجوز النصب.
قال ابن هشام: الحالات خمس على جهة التفصيل، الأول: وجوب العطف كما في كل رجلٍ وضيعتُه، ونحو اشترك زيدٌ وعمروٌ، وجاء زيدٌ وعمروٌ قبله أو بعده.
ثانياً: رجحانه نحو جاء زيدٌ وعمروٌ لأصالة العطف وإمكانه بلا ضعف.
ثالثاً: وجوب المفعول معه وذلك في نحو: مالك وزيداً، ومات زيدٌ وطلوعَ الشمس، لامتناع العطف في الأول من جهة الصناعة، وفي الثاني من جهة المعنى.
رابع: رجحانه، يعني مع جواز العطف، قمتُ وزيداً، وكن أنت وزيداً كالأخِ، هذا في الأول للضعف الصناعي، وفي الثاني من جهة المعنى.
خامساً: امتناعهما معاً -هذا الشاهد- امتناعهما معاً، يعني لا يجوز العطف ولا النصب على المعية، ومثَّل له بـ: عَلَفْتُها تِبْناً وَمَاءً بارداً، وزُجَّجْنَ الحوَاجبَ والعُيُونَا.