وَبَعْدَ نَفْيٍ أَوْ كَنَفْيٍ انْتُخِبْ، يعني: اختِيِر بَعْدَ نَفْيٍ ولو معنًى دون لفظٍ، أَوْ كَنَفْيٍ: وهو النهي والاستفهام المؤول بالنفي وهو الإنكاري، مثاله بعد النفي لفظاً ومعنًى: ما قام أحدٌ إلا زيدٌ، هذا مثالٌ للنفي معنًى ولفظاً، ما قام أحدٌ إلا زيدٌ بالرفع، وهذا كلامٌ تام منفي، ما قام أحدٌ إلا زيدٌ، وما رأيت أحداً إلا زيداً، وما مررت بأحدٍ إلا زيدٌ، ومثاله بعد النفي معنًى دون لفظٍ، لأن قوله: وَبَعْدَ نَفْيٍ أطلق الناظم، فيشمل ما إذا كان منفياً لفظاً ومعنًى، وذلك فيما إذا صُدِّرَ بحرفٍ من حروف النفي مثل: (ما)، ويشمل أيضاً ما إذا كان منفياً في المعنى دون اللفظ، مثَّلوا له بقول الشاعر:
وَبِالصَّرِيمَةِ مِنْهُمْ مَنْزِلٌ خَلَقٌ ... عَافٍ تَغَيَّرَ إِلاَّ النُّؤْيُ وَالْوَتِدُ
عافٍ تَغَيَّرَ إلاَّ النُّؤْيُ .. عافٍ تَغَيَّرَ، قالوا: تَغَيَّرَ هذا فيه معنى النفي دون اللفظ، بمعنى: أنه لم يبق على حاله، وهذا فيه نفيٌ لكنه من جهة المعنى، فإن تَغَيَّرَ بمعنى: لم يبق على حاله، ومثال شبه النفي: لا يقم أحدٌ إلا زيدٌ، لا يقم: هذه لا ناهية، ويقم: هذا فعل مضارع سلطت عليه لا الناهية فجزم، وهل قام أحدٌ إلا زيدٌ؟ ((وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ)) آل عمران:١٣٥ هذا استفهام إنكاري مشربٌ بالتحدي، لا أحد يغفر الذنوب إلا الله.
حينئذٍ نقول: قوله كَنَفْيٍ يشمل ما إذا كان النفي باللفظ والمعنى معاً، وذلك فيما إذا كان اللفظ مصرَّحاً به: ما قام أحدٌ إلا زيدٌ، ويشمل ما إذا كان النفي معنًى دون لفظٍ، مثل المثال الذي ذكره الأشموني: عَافٍ تَغَيَّرَ إِلاَّ النُّؤْيُ، نقول: هذا استثناء تامٌ، منفي أو موجب؟ نقول: منفي، مع أنه لم يتقدمه حرف نفي، لأنه قال: عَافٍ تَغَيَّرَ إِلاَّ النُّؤْيُ، تَغَيَّرَ نقول: بمعنى لم يبق على حاله، إلاَّ: جاء الاستثناء هنا مسبوقاً بنفي لكنه من جهة المعنى لا من جهة اللفظ.
وَبَعْدَ نَفْيٍ أَوْ كَنَفْيٍ انْتُخِبْ ... إتْبَاعُ مَا اتَّصَلَ، يعني: لما قبل (إلا) في إعرابه، وَانْصِبْ مَا انْقَطَعْ.
وَعَنْ تَمِيمٍ فِيهِ، أي: في المنقطع، إِبْدَالٌ .. هنا نكَّرَه لماذا؟ إشعاراً بقلة ذلك عندهم، وَقَعْ، يعني: كالمتصل، إبدالٌ وقع كالمتصل، يعني: في المنقطع كالمتصل.
وقوله: انْتُخِبْ إتْبَاعُ مَا اتَّصَلَ، أفهم أن النصب جائز، وقد قرئ في السبع: ((مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ)) النساء:٦٦ نحن نقول: انْتُخِبْ إِتْبَاعُ مَا اتَّصَلَ وهذا متصل: مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلاً، الأرجح الرفع وقرئ به، وجاء أيضاً: إلا قليلاً بالنصب، دل على أنه جائز، إذاً: هذا فصيح وهذا فصيح، كلاهما فصيح، إلا أن ما كان أكثر وخاصةً إذا كان أكثر القراء عليه يكون من قبيل: فصيح وأفصح.