ومثال ما وقع بعد الاستفهام:
يَا صَاحِ هَلْ حُمَّ عَيْشٌ بَاقِياً فَتَرَى ... لِنَفْسِكَ العُذْرَ فِي إِبْعَادِها الأَمَلاَ
يا صَاحِ هَلْ هذا حرف استفهام، عَيْشٌ: فاعل، حُمّ هذا مُغيّر الصيغة، وعَيْشٌ نائب فاعل، وبَاقِياً حالٌ من عيش، وهو نكرة، ما الذي سوّغَ لمجيء الحال منه وهو نكرة؟ كونه في سياق الاستفهام، والنكرة في سياق الاستفهام تعمّ، يعني: مثلما إذا جاءت في سياق النفي، وهو شبه النفي.
ومثال ما وقَعَ بعد النهي قولُ المصنف: لاَ يَبْغِ أمْرُؤٌ عَلَى امْرِيءٍ مُسْتَسهِلاً، امْرُؤٌ هذا فاعل، مُسْتَسهِلاً هذا حال من الفاعل، ما الذي سوّغَ ذلك؟ كونُ امرؤ في سياق النهي.
لاَ يَرْكَنَنْ أَحَدٌ إِلى الإِحْجَامِ ... يَوْمَ الوَغَى مُتَخَوِّفَاً لِحَمَامِ
مُتَخَوِّفَاً هذا حال، وصاحبُ الحال هو أَحَدٌ.
إذن: وَلَمْ يُنكَّرْ غَالِباً يعني: في الغالب، وَلَمْ يُنكَّرْ ذُو الْحَالِ غَالِباً، ما مفهوم (في الغالب)؟ هل مجيء صاحب الحال نكرة بمسوّغ أو مجيئها بدون مُسوّغ مطلقاً؟ الظاهر الثاني، يحتمل هذا وذاك، لكن الظاهر أن المراد بغير الغالب هنا أنه نكرة بدون مُسوّغ، ولذلك قالَ ابن عقيل: واحترزَ بقوله: غالباً مما قلَّ مجيءُ الحال فيه من النكرة بلا مسوّغ من المسوّغات المذكورة، ومنه قولهم: مَررتُ بِمَاءٍ قِعْدَةَ رَجُلٍ، قعدة أي مقدارَ قعدته، فهو حال، وصاحب الحال ماءٌ، وقولهم: عليه مِئَةٌ بيضاً، جمع أبيض ليس بتمييز، إذ لو كان كذلك كان تمييز المائة مفرد، وهو مجرور وهنا جاءَ منصوباً وهو جمع، إذن ليس تمييزاً، إذن مئةٌ هذا مبتدأ، وجاءَ منه بيضاً، وأجازَ سيبويه فيها رجل قائماً، مُقدّم على المبتدأ، وجعلَ قائماً حالاً من رجل، أين المسوّغ؟ لا مسوّغ له، أجازَه سيبويه دون مسوّغ.
إذن قوله: وَلَمْ يُنَكَّرْ غَالِباً مرادُه أنه قد تأتي النكرة بدون مسوّغ، وجاء في الحديث: {صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعداً وصلى وراءه رجالٌ قياماً}، قياماً هذا حال من الرجال، وليسَ له مسوّغ، ولذلك ذهبَ أبو حيان إلى أن مجيء الحال من النكرة كثيرٌ مَقيس، أبو حيان النحوي الشهير ذهبَ إلى أن مجيء الحالِ من النكرة كثير مقيس، ونقلَ ذلك عن سيبويه، إذن المسألة فيها نزاع.
وَلَمْ يُنَكَّرْ غَالِباً ذُو الْحَالِ إِنْ لَمْ يَتَأَخَّرْ، فإن تأخَّر صارَ تأخيره مسوّغا لمجيء الحال منه، أو لم يُخَصَّصْ بوصفٍ أو بإضافة، فإن خُصِّص بواحد منهما حينئذٍ صحَّ مجيءُ صاحب الحال نكرة، أَوْ يَبِنْ مِنْ بَعْدِ نَفْيٍ يعني: يظهر من بعد نفي؛ أن يكون صاحب الحال نكرة بعد نفي أو استفهام أو نهي، كَلاَ يَبْغِ امْرُؤٌ عَلَى امْرِىءٍ مُسْتَسْهِلاَ، فمستسهلاً هذا حال من امرؤ.
إذن الأصلُ في صاحب الحل أن يكون معرفة لما ذكرناه سابقاً.
الأصل في صاحب الحال التعريف، ويقع نكرةً بمسوّغ، إلا ما ذُكِر عن سيبويه وعن أبي حيان.