وَأَوِّلْ مُوهِمَاً أي: إذا وردَ من كلام العرب ما يُوهِمُ جوازَ ذلك وجبَ تأويلُه، وأجازَ الفراء إضافة الشيءِ إلى ما بمعناه لاختلافِ اللفظين, ونسبَ هذا للكوفيين, وجعلوا مِن ذلك ((وَلَدَارُ الآخِرَةِ)) يوسف:١٠٩ الدارُ هي الآخرة والآخرةُ هي الدار, ((وَلَدَارُ الآخِرَةِ)) يوسف:١٠٩ و ((حَقُّ الْيَقِينِ)) الواقعة:٩٥ ((حَبْلِ الْوَرِيدِ)) ق:١٦ الوريد هو الحبل والحبل هو الوريد ((وَحَبَّ الْحَصِيدِ)) ق:٩ وتأويلُهُ عندَ الجمهور أنه مِن إضافةِ العام إلى الخاص .. لا بد من التأويل, حينئذٍ مذهبُ الكوفيين يُؤيّده السماعُ كثير جداً في القرآن وفي غيره, ويكون المعنى معلوماً من السياق؛ بأنه مِن إضافة الشيءِ إلى نفسه, ثم يُؤوّل على جهة بيانِ المعنى لا على جهة إعرابٍ كما ذكرناه مراراً, يعني: نفهمُ حبّة الحمقاء بأنّ الحمقاء صفةٌ للبقلة, هذا واضحٌ لكن مثله نقولُ: جوازُ إضافة الشيء إلى نفسه إذا عُلم المعنى حينئذٍ لا إشكال فيه, وأمّا إذا وقعَ لبسٌ فالأصل فيه المنع, وكلّ ما جاءَ من ذلك يجبُ تأويلُهُ ونقول هذا فيه تكلّف.
وَرُبَّمَا أَكْسَبَ ثَانٍ أَوَّلاَ ... ... تَأْنِيثَاً إِنْ كَانَ لِحَذْفٍ مُوهَلاَ
رُبَّمَا هذا يحتمِل أنها للتكثير أو أنها للتقليل يحتمل هذا أو ذاك, وإذا كانت للتقليل حينئذٍ مرادُه التقليل النسبي أي قليل بالنسبة إلى ما ليسَ كذلك لا أنه قليلٌ في نفسه فإنه كثير؛ لأنّ القلة والكثرة هذه تختلفُ بالنسبة .. باعتبار إذا نسبتَها إلى شيءٍ قد يكون قليلاً, وإذا نسبتَهُ لشيءٍ آخر يكون كثيراً, وهنا رُبَّمَا يحتملُ أنه للتكثير أو أنه للتقليل, وإذا كان للتقليل حينئذٍ صارَ التقليل نسبياً.
رُبَّمَا أَكْسَبَ ثَانٍ، ثَانٍ: هذا فاعل، ثان من المتضايفين وهو المضاف إليه أَوَّلاَ يعني: اكتسبَ الأولُ المضافُ من المضاف إليه التأنيث، وهنا فيه اكتفاء تأنيثاً أو تذكيراً؛ يعني: إمّا هذا أو ذاك, وإنما ذكرَ التأنيثَ دون التذكير لأنه الأكثر في لسان العرب، وأما التذكير فهذا قليل, لكنه يكتسبُهُ المضاف من المضاف إليه.
إذن: أَوَّلاَ: نقول هذا مفعول أول لأكسبَ منهما وهو المضاف. تأنيثاً أو تذكيراً تأنيثاً هذا مفعول ثاني لأكسب, أكسبَ يتعدّى إلى مفعولين, اكسبَ ثان هذا فاعل أكسب, والمراد به المضاف إليه. ثان من المتضايفين وهو المضاف إليه.
أولاً منهما وهو المضاف, تأنيثاً هذا مفعول ثاني لأكسب, أو تذكيراً, ويعبّر عنه هذا بأنه اكتفاء ففي كلامه اكتفاء, وخصَّ التأنيث بالذكر؛ لأنه الأغلب, ويكتسبُ المضاف من المضاف إليه غيرهما, سبقَ أنه يكتسب التعريف والتخصيص، وزِد عليه التأنيث أو التذكير, وزِد عليها رفع القبح والتخفيف والظرفية والمصدرية والصدارة؛ هذه كلها يكتسبُها المضاف من المضاف إليه.