ومن ثم يتعاقبان في نحو: (جئت مِن عنده ومن لدنه)، وفي التنزيل: ((آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا)) الكهف:٦٥ قيل هما بمعنى واحد، وغايرَ بينهما لئلا يتفقَ اللفظان، يعني من باب دفعِ التكرار فحسب، وإلا (آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا) معنى واحد، وكذلك (مِن عندنا) و (علمناه من عندنا). المعنى واحد إلا أنه لم يؤت بـ (عند) في الموضعين أو لدن في الموضعين تفادياً للتكرار، بخلاف جلستُ عنده فلا يجوزُ جلست لدنه، لا يصح أن يقال: (جلست لدنه)، وإنما اتفقا في مبدأ الغاية، قد يُستعمل (عند) لمبدأ الغاية، و (لدن) هي مُلازمة لمبدأ الغاية، هي بمعنى (عند) في هذا الموضع، ولذلك تعاقبا في بعض الأمثلة دون بعض، (جلست عنده) لا يصح أن يقال: (جلست لدنه)، لعدم معنى الابتداء هنا، هذا الأول.
الثاني: أن الغالب في (لدن) استعمالها بمن مجرورة ونصبها قليل، ولذلك لم تأت في التنزيل منصوبة، بخلاف (عند).
الثالث: أنها مبنية على السكون إلا في لغة قيس؛ فإنها مُعربة عندهم تشبيهاً بعند، وبلغتهم قُرِئ ((مِنْ لَدِنْهِ)) النساء:٤٠ يعني بإسكان الدال وكسر النون، بكسر النون يعني قراءة أبي بكر عن عاصم.
الرابع: أنه يجوزُ إضافتها إلى الجمل، وهذا محلّ نزاع، وذكرنا (لَدُنْ أنتَ يافعُ)، (لَدُنْ شَبَّ) .. حينئذٍ أضيفت، نقل إضافتها إلى الجملة الاسمية والجملة الفعلية.
أنه يجوز إضافتها إلى الجمل كقوله: (لَدُنْ شَبَّ حَتَّى شَابَ سُودُ الذَّوَائِبِ)، وهي حينئذٍ مُتمحِّضة للزمن، يعني إذا أُضيفت إلى الجملة تمحَّضت للزمن، وإن كانت في الأصل تأتي للمكان.
خامساً: جوازُ إفرادها قبل غدوة؛ يعني قطعها عن الإضافة لفظاً ومعنى، وسبقَ أن ذكرنا أن (لدن) مما يلزم الإضافة لفظاً ومعنى، يُستثنى (غدوة) فقط، هذه إذا نُصبت بعدَها انفصلت من لدن غدوة.
السادس: أنها لا تقعُ إلا فضلة، يعني: لا تقعُ عمدة، بخلاف (عند) تقول: (السفر من عند زيد)، (من عند) هذا وقعَ عُمدة وإن تعلّقَ بمحذوف، لكن لا يصلحُ أن يُقال: (السفر من لدن زيد)؛ لأنها لا تقعُ إلا فضلةً؛ لا تكون في محلّ عمدة.
إذن لا تقع إلا فضلة بخلاف (عند)؛ فإنها قد تكون عُمدة (السفر من عند زيد)، فحينئذٍ تجعلُ (عند) خبراً عن السفر والخبرُ عمدة، ولا تقل: (من لدن)؛ لأن ذلك يُخرِجه عمّا استقرّ لها من مُلازمة الفضلة.
إذن: (السفر من عند زيد)، أو (من عند البصرة) مثلاً، ولا تقول: (من لدن البصرة)، أما (لدى) فهي مُوافقة لعند، أما (لدى) فهي مثل (عند) مطلقاً، بخلاف (لدن)، فرق بين (لدن) و (لدى).
أما (لدى) فهي مثل عندَ مُطلقاً إلا أنّ جرَّها ممتنعٌ بخلاف جرّ (عند)، (عند) تدخل عليها (من) فتجرُّها، وأما (لدى) فلا، لا يدخل عليها (من)، وأيضاً (عند) أمكن منها من وجهين، أمكن مِن (لدى) من وجهين:
أولاً: أنها تكونُ ظرفاً للأعيان والمعاني، تقول: (هذا القول عندي صواب)، -هذا لمن صلحَ أن يقول عندي-، و (عندَ فلان علمٌ به)، ويمتنعُ ذلك في (لدى)، فلا تقل: لدي، (هذا القول لدي صحيح)، وإنما تقول: عندي، إذن افترقت (عند) عن (لدى).