(عجبت من ضرب زيد عمراً)، ويتعدّى بحرف الجرّ إن كان فعله يتعدّى بذلك الحرف نحو: (أعجبني مرورٌ بزيد)، مرورٌ بزيد تعدى بالباء، لماذا؟ لكون مرّ الفعل يتعدى بالباء، مررتُ بزيد، مرورٌ بزيد، ويتعدّى إلى مفعولين إن كان فعله كذلك نحو: عجبتُ من إعطاء زيدٍ عمراً درهماً، إعطاء مصدر، أعطى يُعطي إعطاءً، أُضيف إلى الفاعل من إعطاء زيد، عمراً درهماً، عمراً مفعول أول، ودرهماً مفعول ثاني.
هنا نصبَ المصدرُ مفعولين بعد إضافته إلى الفاعل، لماذا؟ لكونِ أعطى الفعل يتعدّى إلى مفعولين، وكذلك المتعدّي إلى ثلاثة نحو: عجبتُ من إعلام زيدٍ عمراً بكراً شاخصاً، عجبتُ من إعلام أعلم يُعلم.
إِلى ثَلاَثةٍ رَأَى وَعَلِمَا ... عَدَّوْا إِذَا صَارَ أَرَى وَأعْلَمَا
إذن مصدر أعلمَ يتعدّى إلى ثلاثة؛ لأن الفعل منه أعلمَ يتعدّى إلى ثلاثة، عجبتُ من إعلام زيدٍ عمراً بكراً شاخصاً .. هذه ثلاثة مفاعيل.
وهذا كله مُستفاد من قول الناظم: بِفِعْلِهِ الْمَصْدَرَ أَلْحِقْ فى الْعَمَلْ.
إذن: بِفِعْلِهِ الْمَصْدَرَ أَلْحِقْ. ألحق المصدر بفعله تعدّياً ولزوماً -هذه قاعدة عامة- تعدّياً ولزوماً، فإن كان فعله مشتق، المشتق منه لازماً فهو لازم يعني المصدر لازم، وإن كان مُتعدياً فهو متعدٍّ إلى ما يتعدّى إليه بنفسه أو بحرف جرّ، فإن تعددت المفاعيل تعددت المفاعيل كذلك، ويخالف المصدر فعله في أمرين:
الأول: أن في رفعه النائب عن الفاعل خلافاً، الفعل يرفعُ نائب فاعل أو لا؟ يرفع لا إشكال فيه (ضُرب زيد)، (يُضرب زيدٌ). زيدٌ: نائب فاعل في المثالين، المصدر هل يرفعُ نائب فاعل؟ هذا فيه خلاف.
إذن لم يختلف في الفعل في كونه يرفعُ نائب فاعل، واختُلف في المصدر. أن في رفعه النائب عن الفاعل خلافاً، ومذهبُ البصريين جوازُه، ووجه المنع وهو مذهب الأخفش ما فيه من الإلباس؛ لأنك إذا قلتَ مثلاً: عجبتُ من ضربٍ عمروٌ، وأردتَ بضرب مضروب، حينئذٍ عمروٌ هل هو فاعل أو مفعول؟ هذا فيه لبس، وإذا كان كذلك فالأصل فيه المنع.
إذا قلت مثلاً: عجبتُ من ضربٍ عمروٌ، تبادر إلى الذهن المبني إلى الفاعل.
وقال أبو حيان: يجوزُ إذا كان فعلُه مُلازماً للبناء، يعني يجوزُ أن يرفعَ المصدر نائب فاعل إذا كان فعله ملازماً للبناء، سيأتينا بعض الأفعال لم يُسمَع لها مبنياً للمعلوم مثل: زُكم، فُعِل. الأصلُ أنه زَكم، هل سُمِع (زَكم) كـ (ضَرب)؟ لم يُسمع، وإنما سمع ابتداء (زُكم)، ولذلك اختلفَ البصريون والكوفيون، هل فُعِل أصل أم فرع؟
الكوفيون على أنه أصل، ولذلك الأفعال عندهم أربعة، فَعَلَ، وفَعِلَ، وفَعُلَ، وفُعِلَ .. أربعة أصول، وعندَ البصريين ثلاثة: فَعَلَ، وفَعِلَ، وفَعُلَ كلّها بفتح الفاء، وليسَ عندَهم فُعِلَ بضم الفاء، وإنما هي مُلازمة للفتح، فحينئذٍ هل هو أصل أم فرع؟ نقول: هو فرع هذا الصواب، إذا كان فرعاً يستلزمُ أصلاً، يعني (ضُرب) يستلزم (ضَرب)، و (يُضرب) يستلزم (يَضرب)، فسُمع بعض الفروع ولم يُسمع لها أصول، كزُكم لم يسمع زَكم، أبو حيان يرى أنه إذا كان الفعل مبنياً للمعلوم ولم يُسمع له أصل وهو المبني للمعلوم جازَ في مصدره أن يَرفعَ نائب فاعل، وما عداه فلا، إذن تفصيل بين المسألتين.