إِنْ كَانَ فِعْلٌ مَعَ أَنْ أَوْ مَا يَحُلّ، وإنما باختلاف المراد من الزمن، يعني زمن المصدر، إن كان المراد به الماضي أو الاستقبال قدّرته بـ (أن)، ثم إذا أُريد المضي جعلتَ الفعل معه ماضياً، وإن أردتَ الاستقبال جعلتَه معه مضارعاً.
والتقدير: مِن أن ضربت زيداً أمس، أو من أن تضرب زيداً غداً، ويُقدّر بما إذا أُريد به الحال: عجبتُ من ضربك زيداً، عجبتُ مما تضرب زيداً الآن، إذا أُريد به الحال جئت بـ (ما) مع الفعل المضارع، وهل يمكن مع الفعل الماضي؟ لا؛ لأن الذي يدلُّ على الحال هو الفعل المضارع.
وهذا المصدر المقدّر يعملُ في ثلاثة أحوال مضافاً نحو: عجبتُ من ضربك زيداً، ومجرّداً عن الإضافة وأل وهو المنون (ضربٍ ضربٌ ضرباً)، حينئذٍ نقولُ: هذا مضاف، هذا مجرّد عن الإضافة، ومحلىً بالألف واللام: (عجبتُ من الضرب زيداً)، ولا خلاف في إعمال المضاف، وإنما الاختلافُ واقعٌ في المحلى بـ (أل)، أما المضافُ فهذا محلّ وفاقٍ بينَ النحاة أنه يعملُ، والمجرد أجازَهُ البصريون ومنعَهُ الكوفيون، إذا كان مُجرّداً، فإن وقعَ بعده مرفوع أو منصوب فهو عندَهم بفعل مُضمر يدلّ عليه المصدر المذكور، هذا إذا كان مجرّداً، (عجبت من ضربٍ زيدٌ عمراً)، حينئذٍ نجعلُ (زيدٌ) فاعلاً لفعل محذوف، وهو العاملُ في المفعول به .. الناصب زيداً، وأما ضربٍ المصدر هذا قالوا: لا يعمل، هذا ليس بصحيح، لماذا؟ لأنه إذا جُوّز إعمال .. أولاً: السماع، سُمع إعمالُه مجرداً، ثانياً: إذا جُوّز مع المضاف وكانت العلة عند جماهير النحاة أنها مشابهة الفعل، فالمجرّد من باب أولى وأحرى، لذلك قال بعضُهم: الأول أكثر والثاني أقيس، الذي هو المجرّد، وإن منَعَهُ بعضُ الكوفيين.
فإن وقعَ بعدَه مرفوع أو منصوب فهو عندَهم بفعل مضمر، وأما المحلى بـ (أل) هذا أجازه سيبويه، وإلا فيه أربعة مذاهب، يجوزُ إعماله مطلقاً، وإن كانت (أل) تُبعِد شبهه بالفعل لكون (أل) من خصائص الأسماء، وحجّتهم هو الورود والسماع.
إذن: الجوازُ مُطلقاً في المحلى بـ (أل).
مع كون (أل) تبعده عن مشابهة الفعل، إذن لماذا خالفنا؟ للسماع، السماع هو الأصل في اللغة.
الثاني: لا يجوزُ مطلقاً، وهذا يردّه السماع؛ لأن (أل) من خصائص الأسماء، فأبعدت شبهَهُ بالفعل وهو قولُ البغداديين وبعض البصريين.
المذهب الثالث: يجوزُ مع قبح، جائز أن يعملَ المصدر محلى بـ (أل) لكنه قبيح، يعني لا يستسيغه الإنسان أن يستعمله في نثر الكلام، وهو قول الفارسي.
الرابع: يجوزُ إعماله إذا كانت (أل) فيه معاقبة للتنوين، وهذا رأي ابن طلحة ووافقه أبو حيان، إذا كانت (أل) قائمة مقام التنوين جازَ إعماله، والصوابُ هو الأول: أنه يجوزُ إعماله مطلقاً بلا قُبح للسماع.
وإعمالُ المضافِ أكثرُ من إعمال المنون سماعاً، وإن كان إعمالُ المنونِ أقيس؛ لأنه مجرد من (أل) والإضافة.