إذن الشرط الثاني: أن يكونَ مُظهراً، فلو أضمر لم يعمل خلافاً للكوفيين، لضعفه بالإضمار بزوالِ حروف الفعل، فلا يجوزُ حينئذٍ (ضربك زيداً حسنٌ وهو عمراً قبيح)، ضربك زيداً حسنٌ (وهو) الضمير يعودُ إلى الضرب، (عمراً) جوّزه الكوفيون لماذا؟ بناء على أن مرجع الضمير هو المصدر، فحينئذٍ أُوّل الضمير بالمصدر فأُعمِل المصدر مُضمراً، والأصل فيه أن يكونَ مُظهراً، مُضمر يعني: أن يكون الضمير عاملاً فيما بعده تنزيلاً له منزلة المصدر؛ لأنه يعود على المصدر، ليس مطلقاً كل ضمير لا، إذا كان الضمير يعود على المصدر فهو في قوة المصدر.
هل يعملُ المصدر مُضمراً؛ ضميراً؟ نقول: لا يعمل، خلافاً للكوفيين، فحينئذٍ (ضربك زيداً)، ضربك هذا مظهر، منطوق به بحروفه، زيداً مفعول به لضربك، حسنٌ هذا خبر المبتدأ، وهو أي الضرب السابق عمراً أجازَ الكوفيون نصبه، على أنه هو مصدر، لكنه بالتأويل، فحينئذٍ أُضمِر المصدر، والصوابُ أنه لا يعمل مضمراً.
ولا يجوز كذلك (مروري بزيد حسنٌ وهو بعمروٍ قبيح)، مروري بزيد حسنٌ وهو أي: المرور (بعمرو) جار ومجرور مُتعلق بقوله: هو، نقول: هذا لا يصلح، لماذا؟ لأن الضمير هنا وإن أُرجع إلى المصدر إلا أنه لا يعمل؛ لأن المصدر إنما يعمل متى؟ إذا كان مُظهراً، يعني ملفوظاً بحروفه هو، وأما إذا كُني عنه بالضمير فلا، خلافاً للبصريين، وأجازَ ابنُ جني إعماله في المجرور وقياسه في الظرف، فصل بينهما والصواب الأول.
الثالث: أن يكون مُكبّراً، فلو صُغِّر لا يعمل.
(أعجبني ضُريبُك زيداً)، نقول: لا يعمل، لماذا؟ لأن التصغير من خصائص الأسماء، واغتُفِر في المضاف والمحلى بـ (أل) للسماع، حينئذٍ ما عداهُ يبقى على الأصل، فلو ثُني المصدر لا يعمل، فلو جُمع المصدر لا يعمل، لماذا؟ لأن هذه من خصائص الأسماء، التثنية، والتصغير، والجمع .. من خصائص الأسماء.
فإذا ثُني المصدر حينئذٍ نقول: التحق به ما هو من خصائص الأسماء فأبعده عن مشابهة الفعل. أن يكون مُكبّراً فلو صُغِّر لم يعمل لخروجه بالتصغير عن الصيغة التي هي أصل الفعل.
وقيل: يعمل مُصغّراً، ويوافقه رويداً زيداً، إذن أعجبني ضُريبك زيداً، نقول: هذا لا يعمل، الصواب أنه لا يعمل.
الرابع: أن يكون غير محدود, يعني أن يكونَ دالاً على المرّة، لو كان دالاً على المرّة بالتاء حينئذٍ لا يعمل، فلو حُدّ بالتاء لم يعمل؛ لأن صيغته حينئذٍ ليست الصيغة التي هي أصل الفعل، فلو كانت التاء في أصل بناء المصدر كرحمة ورغبة عمل لعدم الوحدة حينئذٍ، فلا يكون محدوداً.
يعني أن لا تتصل به تاء الوحدة (وَفَعْلَةٌ لِمَرَّةٍ كَجَلْسَهْ)، إذا كان المصدر أصله أنه بالتاء كرغبة ورحمة عمل، وإن لم تكن التاء من أصله حينئذٍ صارَ محدوداً بالتاء فلا يعمل.