من بعض ما في فعله (ما في فعله) يعني الذي في فعلِه، من الحروف الأصلية أو الزائدة دون تعويض، فإن عُوّض عنه .. عن المحذوف حينئذٍ حكمنا عليه بكونه مصدراً.
قال ابنُ عقيل: كعطاءٍ، فحينئذٍ عطاء مُساوٍ لإعطاء معنى، هذا على الرأي الأول، بأن عطاء يدلُّ على الحدث مُباشرة، وإعطاء يدلُّ على الحدث مُباشرة، إذن المعنى مُتّحد، إعطاء هذا مصدر، وعطاء اسم مصدر، مدلول كل منهما الحدث، ثم نظرنا في اللفظ، إذا دلَّ كلٌ منهما على الحدث إذن لا فرق من جهة المعنى، لا بدّ أن نبحث عن فارق بينهما من جهة اللفظ.
فإن عطاء مُساوٍ لإعطاء معنى، ومخالِفٌ له بخلوّه من الهمزة الموجودة في فعله وهو خالٍ منها لفظاً وتقديراً، أعطى يعطي إعطاءً .. إعطاءً هذه الهمزة موجودة في قوله: أعطى، وعطاء هذا اسمُ مصدر، أين الهمزة؟ حذفت، ننظر هل عُوّض عنها شيء في اللفظ؟ لا، هل نويت بحيث دلَّ دليلٌ على أنها مَنوية كأن يكون سُمع لفظ آخر مُصرّح فيه بالهمزة؟ لا، إذن لا هذا ولا ذاك، حكمنا عليه بكونه اسم مصدر، إذن ليسَ كلّ نقص يكون سبباً في الحكم على اللفظ بكونه اسمَ مصدر، بل لا بد أن ننظر هل عُوّض عنه أو لا؟ إن عُوّض فهو مصدر، وإن لم يُعوّض عنه نسأل هل هو منوي أو لا؟ لأن المنوي كالموجود، المنوي المقدر كالموجود، إن نُوِي فهو مصدر عن أصل، إن لم يُنو، حينئذٍ نقول: خلا اسم المصدر من حرف لفظاً وتقديراً، لفظاً لم يُنطق به، وتقديراً لم يُنو، فدلَّ على أنه اسم مصدر، ولذلك قال: عطاء في المعنى مساوٍ لإعطاء وهو مصدر.
إذا تساويا .. التبس؟ إذن لا بد من فارق لفظي، فنظرنا فإذا به مخالِف لفعله بسقوطِ حرف منه وهو الهمزة، موجودة في الفعل ولم تُوجَد في اسم المصدر، حينئذٍ نسأل ونبحث كما بحثنا سابقاً، فنحكمُ عليه بكونه اسم مصدر.
وهو خالٍ منها، يعني من الهمزة لفظاً وتقديراً، ولم يُعوض عنها شيء.
واحترزَ بذلك مما خلا مِن بعض ما في فعله لفظاً ولم يخلُ منه تقديراً، يعني قد يسقطُ بعض حروف الفعل ولا يُذكر في المصدر لكنه منوي، فإنه لا يكون اسمَ مصدر بل يكون مصدراً على الأصل، وذلك نحو: قتال، قتال هذا مصدر، فِعال: لِفَاعَلَ الْفِعَالُ وَالْمُفَاعَلَه.
قتال فإنه مصدر، مصدر قاتل، فاعل، قاتل قتالاً، قاتل أربعة أحرف: قاف، ثم ألف، ثم تاء، أين الألف في المصدر؟ قتا .. الألف التي بعد التاء هذه ألفُ المصدر، سيأتي: وَمَا يَلِي الآخِرُ مُدَّ وَافْتَحَا، فحينئذٍ نقول: أين الألف التي هي في فَاعَل؟ غير موجودة، لم تُذكَر في المصدر.
هل هي مَنوية؟ هل عُوّض عنها شيء؟ لا، لم يُعوّض عنها شيء.
هل هي منوية؟ نعم. لا بد من دليل، سُمع (قِيتال)، فِيعال. إذن وُجِدت الألف وكُسِر ما قبلها فقُلِبت الألف ياء فقيل: (قيتال)، إذن نقول هذا الحرف منوي.