الحالة الثالثة: أن يُضاف إلى الفاعل ثم لا يذكر المفعول، وهذا تأويل لقوله: كَمِّلْ، قلنا كَمِّلْ المراد به الإباحة. أن يُضاف إلى الفاعل ثم لا يذكر المفعول نحو: ((وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ)) التوبة:١١٤ وما كان استغفارُ إبراهيمِ ربَّه، أن يستغفرَ إبراهيمُ ربه، أين المفعول به؟ محذوف، وما كان استغفارُ إبراهيم ربه، ((رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ)) إبراهيم:٤٠ دعائي إياك، حذف المفعول.
الرابع: قد يُضاف إلى مفعوله ويُحذف فاعله، يجوزُ أو لا يجوزُ أن يحذف الفاعل؟ قلنا مِن الفوارق بين المصدر والفعل أنه اختُلِف فيه هل يرفع نائب فاعل أو لا؟ والأمر الثاني أنه يجوزُ حذفُ فاعله، ولا يتحمّل الضمير، يعني: يُحذف مباشرة.
الرابع: قد يُضاف إلى مفعوله ويُحذف فاعله، وحذف فاعل المصدر جائز، وهو مما يفارقُ فيه المصدر الفعل، ((لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ)) فصلت:٤٩ يعني: من دعائه الخير، الخير هذا مفعول به، من دعاء الخير، من دعائه حذف الفاعل.
خامساً: أن يُضاف إلى الظرف، فحينئذٍ يرفعُ وينصبُ، هذا واضح بيّن. كالمُنَوَّن نحو: (أعجبني انتظار يوم الجمعة زيدٌ عمراً)، أُضيف إلى الظرف ثم رفع ونصب، (أعجبني انتظار) انتظار مصدر، انتظر ينتظر انتظاراً، أُضيف المصدر إلى أي شيء هنا؟ انتظار يومِ الجمعة أو اليومِ زيدٌ عمراً رفع ونصب.
إذن هذه خمسة أحوال باعتبار الإضافة، إما أن يُضاف إلى الفاعل ثم يُذكر مفعوله، وإما أن يُضاف إلى المفعول ثم يُذكر فاعله، وهذه محلّ خلاف، وإما أن يُضاف إلى الفاعل ويُحذف المفعول أو بالعكس، أو يُضاف إلى الظرف فيرفع وينصب .. هذه خمسة أحوال داخلة في قوله:
وَبَعْدَ جَرِّهِ -يعني: جرّ المصدر- الَّذِي أُضِيفَ. أُضيف المصدر لَهْ عائد على الَّذِي، لَهْ جارٌّ ومجرور مُتعلّق بقوله: أُضِيفَ، وأُضيف هذا مُغيّر الصيغة ونائب الفاعل ضمير مُستتر يعودُ على المصدر، (كَمِّلْ) بعد ذلك كمل، كمل بعد جرّه الذي أُضيف له بِنَصْبٍ (أَوْ بِرَفْعٍ عَمَلَهْ) المذكور السابق.
وَجُرَّ مَا يَتْبَعُ مَا جُرَّ وَمَنْ ... رَاعَى فِي الاِتْبَاعِ الْمَحَلَّ فَحَسَنْ
(وَجُرَّ) هذا فعل أمر.