إذا حذفت هل نقول: يسقط الإعراب؟ لا، نأتي ببدله .. بنائبه، فجعل ما قبل الأخير وهو عين الكلمة آخراً، لكنه هل هو آخر حقيقةً أو حكماً؟ حكماً، ومثله: أخٌ، ومثله يدٌ، ودمٌ، يدٌ: أصلها: يديٌ فعلٌ، حذفت الياء اعتباطاً، ثم جعلت الدال التي هي عين الكلمة محلاً للإعراب، وكذلك: دمٌ، الميم هذه هي عين الكلمة، أصلها: دميٌ أو دموٌ على الخلاف، هل اللام المحذوفة واو أو ياء؟ محل نزاع، والحاصل أن اللام محذوفة اعتباطاً، حينئذٍ هل نسقط الإعراب أم نأتي بنائب عنه يكون محلاً للإعراب، جعلنا عين الكلمة محلاً للإعراب.
ولذلك نقول: في آخر الكلمة أو ما نزل منزلة الآخر، هو في الحقيقة ليس آخراً؛ لأنه عين الكلمة، والإعراب إنما يكون في لام الكلمة، لام الكلمة هي التي تكون محلاً للإعراب، وهنا أبٌ وأخٌ ودمٌ ويدٌ ظهر الإعراب على عين الكلمة لا على لامها، لكن هذا من باب الضرورة، وإلا الأصل أن الإعراب يكون آخر الكلمة.
وبذلك رددنا على من جعل عبد الله كلها كلمةً تحقيقاً متضمنةً لكلمتين؛ لأن لو كانت كلمة واحدة تحقيقاً كزيد، لماذا يظهر الإعراب على الدال؟ بل الظاهر أنه يظهر على آخره، فلما ظهر على الدال وهو وسط فيه دل على أنه مؤلف من كلمتين وهو مضاف ومضاف إليه.
إذاً: أثر ظاهر أو مقدر يجلبه العامل في آخر الكلمة أو ما نزل منزلته، قولنا: العامل، هذا نحتاج إلى بيانه، ما المراد بالعامل عند النحاة؟
عرفه بعضهم: بأنه ما أثر في آخر الكلمة من فعل أو اسم أو حرف .. ما شيء أثر، يعني: جعل له أثراً، وهذا الأثر هو حركة أو حرف أو سكون أو حذف، أثر في آخر الكلمة، يعني: محلاً .. بيان محل الإعراب، من فعل أو حرف أو اسم قدِّم أو أخِّر، من: هذه بيانية، كأنه قال: فعل أو اسم أو حرف أثر في آخر الكلمة.
حينئذٍ تقول: جاء زيد، جاء: هذا فعل أثر في آخر الكلمة .. كلمة: زيد فرفعها على أنها فاعل له، اسم، تقول: هذا زيد .. ذا: مبتدأ، وهو العامل في الخبر، حينئذٍ أثر الاسم في الاسم وهو زيد فرفعه على أنه خبر له، إن زيداً لقائم .. زيداً .. إن: هذا حرف، وهو عامل أثر في آخر الكلمة وهو زيداً فأحدث فيه النصب على أنه اسم لـ إنَّ، وأثر في آخر قائم على أنه خبر لها فأحدث فيها الرفع، إذاً إن: نصبت ورفعت، هي عامل؟ نعم، يصدق عليها الحد؟ يصدق عليها الحد، ما أثر في آخر الكلمة من فعل أو اسم أو حرف.
إذاً: العامل يكون فعلاً ويكون اسماً ويكون حرفاً، هذا التعريف ذكره الفاكهي في موجبي النداء، لكنه ناقص يرد عليه .. غير جامع؛ لأن العامل نوعان: عامل لفظي، وعامل معنوي، وضابط العامل اللفظي: ما للسان فيه حظ، يعني: نطق ينطق به، والعامل المعنوي ضابطه: ما ليس للسان فيه حظ.
العامل اللفظي: كجاء، والاسم ذا في المبتدأ الذي ذكرناه في المثال السابق وإن .. المبتدأ وإن وجاء الفعل، هذا عامل لفظي، قلنا: ضابطه ما للسان فيه حظ، يعني: نطق ينطق به، لو أراد أن يتكلم تكلم به.
والعامل المعنوي: ما ليس للسان فيه حظ، وهذا على الصحيح محصور في نوعين اثنين لا ثالث لهما، وهما: الابتداء والتجرد، فالابتداء في باب المبتدأ عامل معنوي، ولذلك سيأتي: