فذهب الجرمي وجماعة إلى الجواز، والأخفش والمبرد إلى المنع.
إذن: نقول الخلاصة في هذين البيتين: أنه لعدم تصرف هذين الفعلين امتنع أن يتقدم عليهما معمولهما، وأن يفصل بينهما بغير ظرف ومجرور، واختلفوا في الفصل بالظرف والمجرور إذا كانا متعلقين بالفعل، عندنا ظرف وجار ومجرور قد يكون أجنبياً لا متعلقاً بأفعِل ولا أفعَل، هذا لا. قولاً واحداً أنه لا يفصل بينهما، حكى في التسهيل الإجماع بلا خلاف.
وأما إذا كانا متعلقين بالفعلين نفسهما وقع النزاع، إذن النزاع ليس مطلقاً، قوله: (وَفَصْلُهُ .. مُسْتَعْمَلٌ)، (وَالْخُلْفُ في ذَاَكَ اسْتَقَرّْ) يعني: الخلف في الظرف والجار والمجرور إذا كانا معمولين للفعل نفسه، وأما إذا كان أجنبياً فقولاً واحداً لا يجوز الفصل، محل إجماع.
واختلفوا في الفصل بظرف أو مجرور متعلقين بالفعل، والصحيح جوازه، ولو تعلق الظرف والجار بمعمول فعل التعجب لم يجز الفصل به اتفاقاً، نحو: ما أحسن معتكفاً في المسجد، ما أحسن معتكفاً .. يتعجب من حسن المعتكف في المسجد، في المسجد هذا متعلق بقوله: معتكفاً وهو متعجب منه.
إذن: هل يجوز أن يفصل بين الفعل والمتعجب منه؟ الجواب: لا. لماذا؟ لأنه لا بد أن يكون معمولاً له مباشرة، وهنا معمول المعمول، إذن ما أحسن في المسجد معتكفاً لا يجوز؛ لأنه متعلق بالمتعجب منه، ولو تعلق بالفعل نفسه لجاز. وأحسن بجالس عندك، أحسن عندك بجالس يجوز؟ لا يجوز، نقول: الظرف والجار والمجرور له ثلاثة أحوال في هذا المقام: إما أن يتعلق مباشرة بالفعل نفسه، وإما أن يكون أجنبياً عنه، وإما أن يتعلق بمعمول الفعل مثل: ما أحسن معتكفاً في المسجد، معتكفاً هذا مفعول لأحسن، في المسجد جار ومجرور، متعلق بأحسن أو معتكفاً؟ معتكفاً، إذن ليس متعلقاً به مباشرة، هذا النوع لا يجوز أن يفصل بينهما، فلا يصح أن يقال: ما أحسن في المسجد معتكفاً. وأحسن بجالس عندك، عندك متعلق بجالس، لا يصح أن يقال: أحسن عندك بجالس؛ لأنه ليس متعلقاً بالفعل نفسه.
قال الشارح: لا يجوز تقديم معمول فعل التعجب عليه، فلا تقول: زيداً ما أحسن. تقدم على (ما) لا يجوز.
ولا ما زيداً أحسن. يعني: تقدم على الفعل دون (ما).
ولا بزيد أحسن. لا يجوز؛ لأن بزيد هذا فاعل في المعنى، والفاعل لا يجوز أن يتقدم على عامله.
ويجب وصله بعامله فلا يفصل بينهما بأجنبي، (وَوَصْلَهُ بِهِ الْزَمَا) هذا يرجح -كلام ابن عقيل-، قال: ويجب وصله بعامله، ما هو عامله؟ أحسن، إذن قوله: وَوَصْلَهُ بِهِ، بالعامل يعني ليس (بِمَا)؛ لأن (ما) ليست عاملاً، كأن ابن عقيل النسخة عنده بِهِ وهنا عندنا بِمَا.
فلا يفصل بينهما بأجنبي، والمراد بالأجنبي غير المفعول في: ما أحسن زيداً، وغير الفاعل في: أحسن بزيدٍ، فلا تقول في: ما أحسن معطيك الدرهم، ما أحسن الدرهم معطيك. لا يصح؛ لأن الدرهم هذا معمول المعمول، فلا يجوز أن يفصل بينه وبين العامل.