(نِعْمَ مَا يَقُولُ الفَاضِلُ) بعد (ما) في لسان العرب إذا تلت (نِعْمَ) إمَّا أن يتلوها جملة كما ذكره الناظم، وإمَّا أن يتلوها اسمٌ مُفرد: ((فَنِعِمَّا هِيَ)) البقرة:٢٧١ وإمَّا ألا يتلوها شيءٌ البتَّة: (فَنِعِمَّا) هكذا يُقال، هل كلام الناظم مخصوصٌ بِما إذا تلاها جملةٌ فعلية، أم يشمل ما إذا تلاها اسمٌ مُفرَد، أم يشمل أيضاً الحالة الثالثة وهي: ما إذا لم يتلوها شيءٌ البَتَّة لا جملة، ولا شبه جملة، ولا اسمٌ، هذا مُحتمل .. مُحتمل أنه خَصَّ هذا الحكم بكون (مَا) مُميِّز، أو أنها فاعل على الخلاف بما إذا تلاها جملة فعلية.
ولكن الظاهر أنه يدخل معها ما إذا تلاها اسمٌ مفرد ((إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ)) البقرة:٢٧١ (نِعْمَ مَا) أُدغِمَت، (هِي) هذا جاء بعد (مَا)، هل هي مثل (مَا يَقُولُ الفَاضِلُ)؟ الحكم واحد؟ فنقول: (مَا) إمَّا مُميِّز ثُمَّ ما بعده صفةٌ له، وهذا يَمتنع لأنه ضمير، وإمَّا أن نقول: بأنه فاعل؟
نقول: إذا وليها اسمٌ نحو: ((فَنِعِمَّا هِيَ)) البقرة:٢٧١ ففيها ثلاثة أقوال:
الأول: أنها نكرةٌ تَامَّة في موضع نصبٍ على التمييز، ما معنى (تَامَّة)؟ يعني: غير مُفتَقرة إلى ما بعدها بأنها صِلة، وهذا أجْوَد، لأن الضمير لا يُنْعَت ولا يُنْعَت به، الضمائر كلها لا تَقَع نَعتاً ولا تُنْعَت.
الأول: أنها نكرةٌ تَامَّة في موضع نصبٍ على التمييز، والفاعل مُضْمرٌ والمرفوع بعدها هو المخصوص، وهذا أسْلَم الأقوال، ((فَنِعِمَّا هِيَ)) البقرة:٢٧١ نقول: (نِعْمَ) فعل ماضي لإنشاء المدح، والفاعل ضميرٌ مستتر و (مَا) نكرةٌ تامَّة في موضع نصبٍ على التمييز و (هِي) المخصوص .. ضمير (هي) المخصوص، الاسم الذي يتلوها هو المخصوص، وهذا أسْلَمها.
الثاني: أنها مَعرفةٌ تامَّة، وهي الفاعل، وهو ظاهر مذهب سيبويه، والاسم المرفوع بعدها هو المخصوص، والتقدير في الآية: فنِعْمَ الشيء هِي، أي: الصدقات، فحينئذٍ (مَا) معرفة تامَّة، يعني: غير مفتقرة إلى ما بعدها .. ليست موصولة، لأن الموصولات معرفة ناقصة، لأنها لا تتم إلا بما بعدها.
هنا (ما) معرفة تامَّة وهي فاعل، والاسم المرفوع بعدها هو المخصوص.
إذن: ((فَنِعِمَّا هِيَ)) البقرة:٢٧١ (نِعْمَ) فعل ماضي و (مَا) فاعل و (هِي) الضمير هو المخصوص، وهو قول الفرَّاء ونُقِل عن المبَرِّد وابن السرَّاج والفارسي.
القول الثالث وهو أضعفها: أنَّ (مَا) مركبةٌ مع الفعل كتركيب: (حَبَّ) مع (ذَا) الآتي على القول به، ولا موضع لها من الإعراب، والمرفوع بعدها هو الفاعل، وقال به قومٌ وأجازه الفرَّاء، يعني: صار الجميع كأنه كلمة واحدة: (فَنِعِمَّا) كلمة واحدة، مثل: (حَبَّذَا) حَبَّ .. ذَا، صارت: (حَبَّذَا) كلها كلمة واحدة، سيأتي أنه قولٌ ضعيف.
فصار الجميع كلمةً واحدة هي فعل ماضي لإنشاء المَدْح أو الذَّمْ، والاسم الذي يليها فاعل (فَنِعِمَّا) فعلٌ ماضي و (هِي) فاعل، وهذا ضعيف، لأن التركيب بين فعل واسمٍ، ثُمَّ تغليب الفعل على الاسم هذا ضعيف، لأن الفعل أدنى من الاسم.