وأيُّ القولين أولى، ولا نقول: أصَحْ؟ يعني: كلاهما صحيح .. لا يُخالف القواعد العامَّة، لكن ابن مالك ماذا قَدَّم؟ قَدَّم القول الأول فهو أرجح عنده، لماذا؟ لأنه ليس فيه تقدير، (زيدٌ) مبتدأ و (نِعْمَ الرَّجُل) خبر مُقدَّم، هذا أولى لا يُحوِجُنَا إلى القول بأن ثَمَّ مبتدأ محذوف واجب الحذف إلى آخره، وإن كان جائزاً .. لا بأس به، لكن نقول: هنا عدم التقدير أولى من التقدير، وهذه قاعدة أغلبية وليست مُطَّرِدة.
(أَوْ خَبَرَ اسْمٍ لَيْسَ يَبْدُو أَبَدَا) يعني: لا يظهر أبداً، فهو واجب الحذف.
(وَيُذْكَرُ المَخْصُوصُ بَعْدُ مُبْتَدَا) مبتدأ (أَوْ خَبَرَ اسمٍ) مبتدأ محذوف (لَيْسَ يَبْدُو) يعني: ليس يظهر (أَبَدَاً) هذا تأبيد، يعني: إذا جُعِل المخصوص خبراً كان حذف المبتدأ واجباً.
عرفنا الآن المخصوص ما هو وإعرابه.
حَقُّ المخصوص أمران:
الأول: أن يكون مُخْتصَّاً، يعني: هل كل لفظٍ يَصِح أن يكون مخصوص؟ لا، مثل فاعل (نِعْمَ وبِئْسَ) ليس كل اسمٍ ظاهر يصلح أن يكون فاعلاً لـ: (نِعْمَ وبِئْسَ) كذلك المخصوص، هذا الباب مستثنىً من القواعد العامَّة، حينئذٍ نقول: المخصوص الأصل فيه: أن يكون مُخْتصَّاً بأن يقع معرفةً، أو نكرة موصوفةً، أو مضافاً، يعني: معرفة أو نكرة مخصوصة، والاختصاص قد يكون بالإضافة، وقد يكون بالوصف، لأن شَرْطَه: أن يكون أخَصَّ من الفاعل.
الثاني: أن يَصْلُح للإخبار به عن الفاعل موصوفاً بالمدح بعد (نعم) أو بالذَّمِّ بعد (بِئْسَ)؛ فإن باينه -غايره- أُوِّلَ، كقوله: ((بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا)) الجمعة:٥ أي: مَثَلُ الذين كذَّبوا.
إذن: الأصل فيه أن يكون معرفة أو نكرة مُختصَّة. قال ابن هشام في (قَطْرِ النَّدَى): " ولا يجوز بالإجماع أن يَتقَدَّم المخصوص على الفاعل - هذا من حقوقه وأحكامه – فلا يُقال: نِعْمَ زيدٌ الرَّجُل " هذا غير جائز بالإجماع –محل وفاق-، (نِعْمَ) فعل ماضي (زيدٌ) هذا مخصوص و (الرَّجُل) هذا فاعل، يَصِح؟ لا يَصِح، لو أردنا عِلَّة لماذا؟ أعربنا (زيد) إمَّا أنه خبر، وإمَّا أنه مبتدأ، وعليهما فُصِلَ بين الفاعل والفعل بأجنبي، (نِعْمَ) فعل و (الرَّجُل) فاعل و (زيدٌ) بينهما، إمَّا أن يكون خبراً لمبتدأ محذوف: نِعْمَ زَيد .. نِعْمَ هُو زَيدٌ الرَّجُل، فَصَلْنا بينهما بجملة وهذا فاسد، وإذا قلنا: (نِعْمَ الرَّجُل) هو الخبر و (زيدٌ) هو المبتدأ حينئذٍ كيف يَتوَسط المبتدأ بين الخبر؟! نِعْمَ زيدٌ الرَّجُل، (نِعْمَ الرَّجُل) هو الخبر، و (زَيدٌ) وقع بينهما، هذا ما يصلح.
إذن: لا يجوز بالإجماع أن يَتقدَّم المخصوص على الفاعل، فلا يُقال: نِعْمَ زيدٌ الرَّجُل، ولا على التمييز خلافاً للكوفيين – المسألة فيها خلاف – يعني: لا يُقال: نِعْمَ زيدٌ رجلاً (رجلاً) هذا مُميِّز للفاعل الضمير المستتر، و (زيدٌ) هذا المخصوص، هل يَصِح أن يُقال: نِعْمَ زيدٌ رجلاً؟ قال: لا يَصِح خلافاً للكوفيين، وإن كان ثَمَّ أدلة عند الكوفيين.