فحينئذٍ يشترط في المفضل والمفضل عليه أن يكونا متغايرين، يعني ذاتينِ، أن يكون كل منهما ذاتاً منفصلاً منفكاً عن الأخرى.
ولا يتصور اتحادهما إلا في المسألة الأخيرة التي سيأتي ذكرها في هذا الباب.
(وَأَفْعَلَ التَّفْضِيلِ صِلْهُ أَبَدَا تَقْدِيراً أَوْ لَفْظاً بِمِِنْ)، لَفْظاً واضح أنه ينطق بها، فتقول: زيدٌ أكرمُ من عمروٍ، وأما تَقْدِيراً بأن تحذف مع مجرورها للعلم به، فلو لم يعلم لم يجز الحذف للقاعدة السابقة.
إذا قصد به التفضيل حينئذٍ إذا لم توجد (من) مع مجرورها وجب تقديره، متى؟ إذا دل عليه دليل، فتقول: هي منوية، هي مقدرة، وقبل ذلك كانت مذكورة، فإذا لم يدل عليه دليل بعد الحذف لا يجوز للقاعدة العامة: وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ.
إذاً تَقْدِيراً هنا مراده به بأن تحذف مع مجرورها للعلم به، فلو لم يعلم لم يجز الحذف، وقد تذكر مع العلمِ، أما الحذف بدون علم فلا، ويجوز حذفها مع العلمِ وقد تذكر.
إذاً إذا علم لا يلزم منه الحذف، لا، قد تكون مذكورة ولو حذفت تكون معلومة ((قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ)) الجمعة:١١ ما هو المفضل عليه؟ اللَّهْو والتِّجَارَة، لو حذف أحدهما .. حذفت (من) لعُلِم المحذوف بذكر الثاني، إذاً ثم دليل موجود، ومع ذلك ذُكرت ((قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ)) الجمعة:١١ خَيْرٌ أصلها أخير ((مِنَ اللَّهْوِ)) الجمعة:١١ هذا متعلق بخير، ((وَمِنَ التِّجَارَةِ)) الجمعة:١١ كذلك معطوف على من اللهو.
لو حذف أحدهما لدل الثاني عليه.
(تَقْدِيراً أَوْ لَفْظاً بِمِِنْ) قلنا: بِمِِنْ هذا متعلق بقوله: صِلْهُ .. صِلْهُ بِمِِنْ. واختلف في معنى (من) هذه، اتفقوا على أنه لا بد من (من)، لا بد من الحرف، لا بد أن يكون المفضل مجروراً بمن، لكن ما المراد بمن؟ (من) لها معاني، اختلفوا فيها على ثلاثة مذاهب: مذهب المبرد، وسيبويه، وابن مالك.
والمرجح هو مذهب المبرد لأنه موافق للأصل، وهو أنها لابتداء الغاية.
الأول مذهب المبرد: أنها لابتداء الغاية، وهذا لا يحتاج إلى تعليق، لماذا؟ لأنها الأصل كما سيأتي.
الثاني مذهب سيبويه: أنها لابتداء الغاية، لكن مع الإشارة إلى التبعيض.
خلط بعضهم بين المذهبين، فنسب الأول لسيبويه، والصواب أن سيبويه يرى أنها لابتداء الغاية مع الإشارة إلى معنى التبعيض، ومذهب المبرد أنها لابتداء الغاية فقط، فرق بينهما.
إذاً: مذهب المبرد أنها لابتداء الغاية، ومذهب سيبويه وهو ثاني المذاهب: أنها لابتداء الغاية أيضاً، لكن بزيادة فرق بينهما. مع الإشارة إلى معنى التبعيض، فقال في نحو: هو أفضل من زيدٍ فضلَّهُ على بعضٍ ولم يعم، هكذا قال سيبويه: فضله على بعض ولم يعم، قالوا: إذاً هي لابتداء الغاية عند سيبويه مع معنى التبعيض.