والحاصل: أنه لا يمتنع النعت في النكرات بالأخص، يعني الأقل شيوعاً، إذا قيل: ينعت النكرة بالنكرة، والمعرفة بالمعرفة، إذاً هل النكرات في مرتبة واحدة أم أنها متفاوتة؟ لا شك أنها متفاوتة، النكرة المحضة ليست كالنكرة المخصوصة، والمعارف كما سبق هي ست، وهي درجات، فحينئذٍ هل ينعت الأعلى بالأدنى أو الأدنى بالأعلى؟ هذا محل نزاع بين النحويين، بعضهم يرى أن كل معرفة تنعت بمعرفة بدون استثناء، وكل نكرة تنعت بكل نكرة بدون استثناء، والبصريون لا يجرون على هذا؛ لأنهم ينظرون إلى المعنى.
لا يمتنع النعت في النكرات بالأخص: رجل فصيح، جاء رجلٌ فصيح، جاء فعل ماضي، ورجلٌ فاعل، وفصيح نعت، أيهما أخص وأيهما أعم؟ رجل وفصيح، كل منهما نكرة، رجل منعوت وفصيح نعت، أيهما أعم وأيهما أخص؟
رجل أعم، وفصيح أخص؛ لأن رجل يشمل فصيح وغير فصيح فهو أعم، مع كونه نكرة، وفصيح نكرة كذلك، لكنه يختص بالفصيح دون غيره.
إذاً نُعِت هنا الأعم بالأخص هذا لا إشكال فيه، هذا غلامٌ يافعٌ. مراهق يعني، غلام: غلام هذا يشمل مراهق وغيره، إذا وصفته بيافع حينئذٍ وصفته بالأخص، هل هذا جائز؟ نقول: نعم جائز، جائز أن توصف النكرة بالنكرة وهي أخص منها، والأخص المراد به الأقل شيوعاً، إذاً: لا يمتنع النعت في النكرات بالأخص نحو: رجلٌ فصيح وغلام يافع. وأما في المعارف ففيه تفصيل عند البصريين، فلا يكون النعت أخص عند البصريين -يعني: أعرف-، وهذا مر معنا: مررتُ بزيدٍ صاحبكَ، قلنا المضاف إلى الضمير في رتبة العلم، لماذا؟ لأن الشرط عندهم .. عند البصريين ألا يكون النعت أعرف من المنعوت، لا بد أن يكون مساوياً أو أعم منه، أما أن يكون أعرف لا.
وأما في المعارف فلا يكون النعت أخص عند البصريين -أخص: يعني أعرف- بل مساوياً أو أعم، يعني أقل تعريفاً.
فنحو: مررتُ بالرجلِ أخيكَ، أيهما أعلى درجة؟ أخيكَ أعلى؛ لأنه مضاف إلى الضمير فهو في رتبة العلم، والرجل هذا مرتبة متدنية؛ لأنه محلى بأل، إذاً وصف الرجل بما هو أعرف منه، نقول: هذا ممنوع، حينئذٍ نلجأ إلى أن يكون مررتُ بالرجل أخيكَ، أن يكون أخيك بدلاً لا نعتاً.
وقال الفراء: ينعت الأعم بالأخص، ولم يلتفت إليه كثير من البصريين، وبعضهم أطلق فقال: توصف كل معرفة بكل معرفة كما توصف كل نكرة بكل نكرة.
إذاً: (وَلْيُعْطَ في التَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ مَا لِمَا تَلاَ) لما تلاه.
حكم النعت في التعريف والتنكير أنه يتبع منعوته مطلقاً تعريفاً وتنكيراً (كَـ امْرُرْ بِقَوْمٍ كُرَمَا).
وَهْوَ لَدَى التَّوْحِيدِ وَالتَّذْكِيرِ أَوْ ... سِوَاهُمَا كَالْفِعْلِ فَاقْفُ مَا قَفَوْا
(وَهْوَ لَدَى التَّوْحِيدِ) بقي ماذا من العشرة؟ بقي الإفراد، والتثنية، والجمع، والتذكير، والتأنيث، هذه خمسة.
عرفنا الخمسة الأُول السابقة اشترك فيها النعت بنوعيه الحقيقي والسببي، وأما ما يذكر من التوحيد وهو الإفراد والتذكير وسواهما، وسوى الإفراد وهو التثنية والجمع، وسوى التذكير هو التأنيث.
هنا يفصل بين النعتين، فالنعت الحقيقي يكون كسابقه، بمعنى أنه يوافقه إفراداً وتثنية وجمعاً، ويوافقه كذلك تأنيثاً وتذكيراً.