وَبَعْدَ كُلٍّ أَكَّدُوا بِأَجْمَعَا ... جَمْعَاءَ أَجْمَعِينَ ثُمَّ جُمَعَا
وَدُونَ كُلٍّ قَدْ يَجِيءُ أَجْمَعُ ... جَمْعَاءُ أَجْمَعُونَ ثُمَّ جُمَعُ
هذا ما يسمى بتوابع كل.
(وَبَعْدَ كُلٍّ أَكَّدُوا بِأَجْمَعَا)؟؟؟
إذاً يؤتى بهذه الألفاظ مؤكدة بعد كل على جهة الخصوص، فهل هي مؤكدة لكل أو أنها مؤكدة لمؤكَّد كل؟ الثاني، مؤكدة لمؤكد كل، يعني تقوي عمل كل، فكل منهما مؤكد بذاته، فيكون التوكيد بعد توكيد من باب تقوية المؤكَّد في النفي، نفي الاحتمال بالإضافة.
(وَبَعْدَ كُلٍّ) قلنا هذا متعلق بقوله: أَكَّدُوا، (وَبَعْدَ كُلٍّ أَكَّدُوا بِأَجْمَعَا) مفهومه أنه يلزم أن تكون هذه الألفاظ بعد كل لا سابقة عليها، فيقال: جاء القوم كلهم أجمعون، ولا يصح: جاء القوم أجمعون كلهم؛ لأنها تابعة لكل والتابع تابع كاسمه، فلا يكون متبوعاً بكل، ولذلك قال: بَعْدَ كُلٍّ، كما قال هناك: وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعِلٌ، فدل على أن رتبة الفاعل بعد رتبة الفعل، هنا قال: (وَبَعْدَ كُلٍّ أَكَّدُوا بِأَجْمَعَا) دل على أن رتبة أجمع بعد رتبة كل ولا يجوز التقديم.
فهم منه أمران: أحدهما واجب وهو أن أجمع إذا ذكر مع كل لا يكون إلا متأخراً عنها، والآخر غالب وهو أنه لا يؤكد به دون كل، وهذا نبه عليه بالبيت الذي يليه، يعني: (وَبَعْدَ كُلٍّ أَكَّدُوا بِأَجْمَعَا) الغالب أنه لا يؤكد بأجمع إلا بعد كل، لكن هذا لو نظرنا إلى أصله نقول: قد يفهم الوجوب، لكن نقول: هذا ليس بواجب بل هو غالب لمجيء قوله: (وَدُونَ كُلٍّ قَدْ يَجِيءُ أَجْمَعُ) يعني قد يؤكد بأجمع دون كل، فيقال: ((فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ)) الحجر:٣٠ جاء القوم أجمعون يصح، إذا جئت بها مع كل سبقت كل وتأخرت أجمع، إذا حذفت كل وجئت بأجمع فقط حينئذٍ قلت: جاء القوم أجمعون، الأول لازم واجب، والثاني من غير الغالب وهو كون أجمع يؤكد بها دون كل، يعني تنفرد عن كل فيؤكد بها، هذا غير غالب.
(وَبَعْدَ كُلٍّ أَكَّدُوا بِأَجْمَعَا) يعني غالباً بدليل قوله: (وَدُونَ كُلٍّ) أما البعدية فهي لازمة واجبة، كونها بعد كل فهو واجب، وأما دائماً لا تكون إلا بعد كل! لا. ليس بلازم، بل قد يؤتى بأجمع دون كل، فهذا غالب أن يكون أجمع بعد كل، ومن غير الغالب أن يكون أجمع دون كل.
(وَبَعْدَ كُلٍّ أَكَّدُوا بِأَجْمَعَا) أي غالباً، فلهذا استغنت عن أن يتصل بها ضمير يعود على المؤكد ((فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ)) الحجر:٣٠ أين الضمير؟ لا تحتاج إلى ضمير، لا يشترط فيها الضمير؛ لكونها تابعة لكل واشترط الضمير في كل، فأغنى عن أن يتصل بها ضمير.
استغنت عن أن يتصل بها ضمير يعود على المؤكد فتقول: اشتريت العبد كله أجمعَ، أجمعَ ممنوع من الصرف، والأَمة كلها جمعاء للمؤنث مفرد، والعبيد كلهم أجمعين، والإماء كلهن جُمَع، جُمَع هذا توكيد لجمع المؤنث السالم، إذاً لا يؤتى بها إلا بعد كل، وأما إذا نزعت كل جاز.
وَبَعْدَ كُلٍّ أَكَّدُوا بِأَجْمَعَا ... جَمْعَاءَ أَجْمَعِينَ ثُمَّ جُمَعَا
(بِأَجْمَعَا) هذا للمفرد المذكر، والألف هذه للإطلاق.